كسحلية أنهكها تبدّل الألوان، تتبدّل انشغالات المجتمع اللبناني واهتماماته، فتتغيّر بسرعةٍ فائقة مع المحافظة على حدّيّة النقاش. كأن هذا المجتمع يسعى إلى تعديل مقولة "لكل مقام مقال"، لتصبح: يختلف المقال في نفس المقام. كيف لا، وفي السياق المكاني نفسه، وفي ليلة وضحاها، ترى إجهاضاً للنقاشات السياسية، وولادةً مفاجئة لأحاديث رياضية، فيتغيّر المضمون، وتصبح الرياضة موسمية وتصطحب السياسة معها.  

 جميلة كانت الفورة السياسية التي سبقت الاستحقاق النيابي والتي امتدّت لتشمل كل شيء، من قنوات لبنانية، الى اهتمامات شعبيّة، مرورًا بالطرقات التي اجتاحتها الشعارات الانتخابية والرايات الحزبية. جميلةٌ كانت المنشورات الوطنية، التحليلات السياسية، والانشغالات الشعبية بما قدّم هذا المرشح وما يميّزه عن ذاك! ولكن، مع انتهاء الاستحقاق النيابي وصدور النتائج، اضمحل النقاش السياسي وانتهت صلاحية المواطن المسؤول. فأسبوع كان كفيلاً بإنهاء انخراط الشعب المفرط بالسياسة. هذا ليس تحليلاً، ولكن هذا ما تقوله المؤسسات التجارية التي تعكس رغبات المواطن "المستهلك"، والتي بسحر ساحرٍ أَنزلت الرايات الحزبية، واستبدلتها برايات تنانين كأس العالم، لتسترزق! كيف لا، والمجتمع اللبناني لا يهوى سوى التنانين الرياضية، وتلك السياسية!

 عموماً، بالرغم من إيجابية كسر النقاشات السياسية الحادّة واستبدالها بنقاشات رياضية بين جمهور البرازيل وألمانيا وغيرهما، لكنّه ثمة أمر مستفزّ. فالانتخابات النيابية محطة مفصليّة لا تنتهي مع انتخاب المجلس، أو مع وصول من أعطيناهم أصواتنا. الانتخابات النيابية فعل يستوجب ردّة فعل، لا العكس. هي محطة دستورية للمحاسبة، بعد تدوين كل ما قام به النائب الذي أُعطي الكفالة منذ أربع سنوات "تسع في حالتنا" وتدوين كل ما صدر عن الحزب أو الجهة التي خاضت هذه المعركة سابقاً. عليه، المشاركة السياسية ليست أبداً موسميّة ولا تأتي كل أربع سنوات، فهي تبدأ مباشرةً بعد الاقتراع وتشكيل المجلس النيابي الجديد ولا تنتهي إلا في الاستحقاق المقبل الذي عبره يحاسب الشعب. وإن كنتم قد انتخبتم حسب أسس بعيدة عن الكفاءة، أقلها أن تراقبوا نوابكم اليوم بعد حصولهم على الثقة، لعلنا جميعاً عام ٢٠٢٢ ننتخب استناداً إلى الكفاءة، فقطار اعتماد المعايير الصحيحة عند الانتخاب، سيعود بعد ٤ سنوات، وإن فاتنا هذا العام. والجدير ذكره هنا، أن معظم الأحزاب قدّمت هذا العام برنامجاً متكاملاً من طموحات، ومشاريع. عليه، لابدّ لنا اليوم وليس غداً، العودة الى تلك الوعود مع كل موقف سياسي يتخذه النائب، لنرى درجة الالتزام بالأقاويل والوعود التي أُمطرت علينا.

 ختاماً، السياسة تماماً كالرياضة، فالرأي العام السياسي عليه أن يراقب، يدوّن الملاحظات، ويسأل مَن انتخب لمعرفة ما اذا كان هذا النائب او هذا النهج يستحق. كذلك الأمر بالنسبة لكرة القدم، كي تعي من تشجع في كأس العالم، عليك أن تراقب المنتخب، التشكيلة، والاستراتيجية. من هنا، يتضح لنا أن الانتخابات النيابية كما مباراة كأس العالم تتطلب الكثير من الدقة والتأني في اتخاذ القرارات. لعلنا ننتهي من الاقتراع وفاءً لتاريخ، او التشجيع وفاءً لماضي الكرة المجيد!