على إيقاع الرصاص الذي وصلت أصداءه قصر بعبدا يعيش أهالي بعلبك، ويقول أحد أبناء المدينة "هذه الأحداث ليست غريبة عن بعلبك، اعتاد الناس أصوات الرصاص ومشاهد الاشتباكات اليومية". يرد آخر "نعم اعتادت المنطقة الاشتباك الأمني من فترة لأخرى كأي منطقة تعاني من التهميش، أو أكثر بقليل، لكن لم يسبق لها أن شهدت درجة الغليان الأمني الأخيرة"، ما يضع علامات استفهام حول الأحداث ويسلّط الضوء على قطبةٍ ما مخفية.

حمل "ليبانون ديبايت" هذا التشكيك وراح يبحث في شوارع المدينة عن خيطٍ يوصل إلى تلك القطبة... لا حركة غريبة في الشوارع. وحدها آثار الرصاص على نوافذ بعض البيوت، والحركة الاقتصادية المعدومة في السوق العتيق تشهد على أن اشتباكاتٍ مرّت من هنا.

نسأل أحد المارة عن أحداث الأمس، يتهرب من الإجابة ويكتفي بالقول "يريدون تهجيرنا من مدينتنا" ويتابع سيره هرولةً خوفاً من إطلاق صافرات الإنذار الأمني من جديد في أي لحظة.

يربط مصدر محلي مطلع الفورة الأمنية في بعلبك الأخيرة بأجندة محلية، ويرى أن للأحداث الأمنية ارتباطاً غير بريء بقرار إنشاء المحافظة في جرود بعلبك الشرقية. ويتساءل "لماذا انتظرت بلدية بعلبك السابقة والحالية كل هذه الفترة لاتخاذ القرار بإنشاء مركز المحافظة، بالرغم من قرار دعم البنك الدولي لإنشائها عبر مجلس الإنماء والإعمار منذ خمس سنوات بموازنة قيمتها 7 مليون دولار أميركي؟".

يروي المصدر نفسه قصة الأحداث الأمنية لـ"ليبانون ديبايت" ويقول "هناك مصالح مالية وعقارية خلف اندلاع الاشتباكات بهذه الطريقة". ويفصّل الكلام أن "أعضاء من المجلس البلدي ومقربين منهم محسوبون على جهة سياسية معينة يملكون عقارات كبيرة في المنطقة المتاخمة للمكان المقرر إنشاء مركز المحافظة عليه، أي على خط الرينغ خارج بعلبك لناحية الشرق. وهذه المنطقة البعيدة عقاريا يتراوح سعر المتر فيها بين 10 و15 دولارا، وفي المعلومات أن فترة المماطلة هذه لإنشاء المركز والتي قاربت الخمس سنوات كانت بهدف امتلاك تام لهذه العقارات التي سيرتفع سعر المتر فيها بشكل خيالي بعد إنشاء مركز رسمي فيها".

ويضيف "ما دفع بعض المستفيدين لخلق حالة أمنية غير مستقرة في المدينة لتمرير صفقة إنشاء المحافظة خارج المدينة، فالمعارك الأمنية بقسم كبير منها وهميّ ومعظم مفتعلي هذه الإشكالات لهم ارتباطات أولية بالأجهزة الأمنية ويتمتعون بغطاءات سياسية. وما يؤكد الأمر أنه لم يسقط جريح أو قتيل خلال الاشتباكات الأخيرة، بل هي مجرد ترويع للأهالي وإطلاق نار في الهواء، بالإضافة إلى جلوس المتخاصمين مع بعضهم البعض في كثير من الأوقات".

علماً أن إنشاء مركز المحافظة خارج المدينة يساهم في شل الحركة الاقتصادية أكثر في المدينة، وتهجير سكانها بحثاً عن لقمة عيشهم، بالرغم من وجود البدائل، مثل ثكنة غورو التي يقطنها لبنانيون لدى معظمهم بيوت في محيط بعلبك. ويمكن بكل سهولة إنشاء مركز المحافظة بها بعد إخلائها وهي عبارة عن 25 ألف متر، وتتسع لكل الدوائر الحكومية والمراكز الأمنية، وفقاً للمصدر.

يرفض رئيس بلدية بعلبك العميد حسين اللقيس هذه المقاربة، ويؤكد أن مسلسل الأحداث الأمنية قديم في بعلبك الهرمل وقرار إنشاء مركز المحافظة حديث. ويشدد على أن ما أوصل بعلبك إلى هذا الوضع الأمني المتوتر تراكم الأحداث من دون أية معالجة تذكر من الأجهزة الأمنية المعنية "لا أحد يتدخل للمعالجة وتوقيف المجرم، ونرى القوى الأمنية تقوم بتفقد مكان الاشتباكات بعد انتهائها وكأن أهالي المدينة متروكون لقدرهم".

وعن لقاء محافظ بعلبك الهرمل بشير خضر الأخير برئيس الجمهورية ميشال عون، والحلول المرتقبة، يؤكد خضر لـ"ليبانون ديبايت" أنه وضع الرئيس بصورة الأسباب التي اوصلت بعلبك إلى ما هي عليه اليوم، "وهي أسباب قديمة كغياب الإنماء وفرص العمل ما خلق جيلاً كاملاً عاطلاً عن العمل، وأسباب آنية مرتبطة بعدم حصول توقيفات ومداهمات ومعالجات سليمة للاشتباكات ما جعل المطلوبين يتمادون بجرائمهم".
وطلب خضر من الرئيس عون أن تكون المداهمات من خارج المحافظة، بيروت تحديداً، منعا لحصول ردود فعل بعد المداهمات بين أهالي المنطقة الواحدة، وأكد أن الرئيس كان متجاوباً ووعد بحلول قريبة.

وفي هذا الإطار، علم "ليبانون ديبايت" أن الرئيس عون أعطى أوامره لقائد الجيش العماد جوزيف عون للبدء بخطة عسكرية في بعلبك الهرمل بشكل تدريجي. ويؤكد مصدر أمني أن أي خطة أمنية جدية في بعلبك الهرمل تحتاج إلى 15 ألف عسكري يكون لديهم مخطط خاص مدروس لعمليات الدهم والتطويق، كون مساحة البقاع توازي ثلاثة أرباع مساحة لبنان. 
ويذكّر المصدر ذاته أن هناك 35 ألف مذكرة توقيف بحق آلاف المطلوبين، وتحتاج لجدية سياسية لمتابعة الموضوع. وعلى الخطة أن تأخذ بعين الاعتبار دور الأحزاب والعشائر في المنطقة، وتتوخى الاحتكاك مع الأهالي. ويسأل "هل الجيش اللبناني بظل التحديات التي يواجهها جراء استلام الملف الأمني الداخلي قادر على تفريغ بعض المناطق من العسكر لتجنيدها في خطة أمنية في بعلبك الهرمل؟".