الرحلات المدرسية في الدول المتقدمة جزء لا يتجزأ من المنهج التربوي، وركن أساسي لتقديم المعلومات بأساليب يسهل على الطالب استيعابها وحفظها بما يشبع حشريته ويقربه من الطبيعة والبيئة المحيطة بحيث تتعمق في داخله روح المادة التي يدرسها. أما في لبنان، فالمحاولات التربوية قائمة للحاق بالمنهجيات الحديثة، وفيها باتت الرحلة المدرسية الداخلية أو الخارجية أبعد من مشوار «شم هوا» أو تناول الغداء مع الأساتذة والرفاق، لتحتل مكانة قيمة تمكّن الطالب من تعزيز معارفه وثقته بنفسه، شرط أن لا تدخل حسابات الربح والخسارة في جدولة تلك الرحلات التي تمددت لتشمل المتاحف والمعارض والأماكن العلمية والثقافية.

وبحسب مدير المكتبة الوطنية حسان العكرة فإن «التعليم بالطرق الكلاسيكية أثبت فشله، وتقنية الحفظ كالببغاء لا تساعد الطالب على الاحتفاظ بما تعلمه لوقت طويل، ومن المواد التي يجري تجديد أنماط تدريسها في الدول المتطورة هناك التاريخ والجغرافيا والتربية المدنية، لذا يحاول المجلس الوطني للبحوث والإنماء ومعه اختصاصيون وجمعيات أهلية متخصصة، تنظيم ورش عمل لتعديل أساليب تقديم هذه المواد ومحاكاة البرامج المطروحة في الدول المتطورة.

ويوضح العكرة بأن دول العالم تهتم بتطوير أساليب التعليم وتعتمد أحياناً الترفيه ضمن أساليب تقديم المواد، في حين تنظم المدارس في لبنان أنشطتها السنوية وفقاً لبرامج محددة، إذ يقوم بعضها بتنظيم رحلات خارجية، في حين تلجأ مدارس أخرى لاعتماد الرحلات الداخلية، علماً أن موضوع تمويل هذه الرحلات يتم بالتنسيق بين الإدارة ولجان الأهل، وقد لعبت جمعية guidentity دوراً في هذا السياق حيث سعت لتأمين التمويل لرحلات عدد من التلامذة في المدارس الرسمية كي يتمكنوا أسوة بغيرهم، من القيام برحلات ضمن لبنان.

رحلات تثقيفية تستعد معلمة التاريخ والجغرافيا ريما عون للقيام بها مع طلابها، حيث تغادر لبنان مع أكثر من أربعين طالباً في زيارة إلى العاصمة الايطالية روما، وتأتي كحلقة من برنامج متكامل أعدته عون لإحاطة طلابها بكل ما من شأنه تعزيز معارفهم وإغناء معلوماتهم العامة وتعزيز مادة التاريخ التي تتناول، وفقا للمنهج الفرنسي، تاريخ أوروبا وضمنها الأمبراطورية الرومانية.

وتضيف: «خلال العام الدراسي ننظّم زيارات عدة لمواقعنا الأثرية، فالطريق إلى روما يمكن شرحه بزيارة لقلعة صور الأثرية التي تجسد معالم الأمبراطورية الرومانية، وخلال الرحلة نشرح كل التفاصيل التاريخية لطلابنا. ونقترح أيضاً رحلات إلى الخارج لكنها ليست إجبارية، وعندما يكون عدد الطلاب الراغبين بالمشاركة في الرحلة مناسبا نباشر بالتحضيرات». وتتابع: «خلال الرحلات المدرسية نركّز على تصرفات الطلاب ونشجعهم على تحمل المسؤولية. وبالنسبة إلينا كمعلمات فأننا نستغل الرحلة أيضاً لنساعد الطلاب على ملاحظة كل ما يحيط بهم، من خدمات وبنى تحتية ومناظر طبيعية وبيئية ووسائل نقل ونشجعهم على طرح الأسئلة وتعلم فن الاستماع وتدوين الملاحظات ثم صياغة موضوع عن الرحلة في وقت لاحق، كل هذا ينمي لديهم الحس الثقافي والمعرفي ويمكنهم من صقل معلوماتهم».

بروتوكول

المعلمة بولا سوسا، مديرة الموقع الالكتروني «اكتشف لبنان» تركز في عملها التربوي على الرحلات كوسيلة تعليمية، وتقول: «الرحلات مناسبة ينتظرها الطلاب ومعهم الكادر التربوي لاغناء ثقافة الطالب وترسيخ المعلومات في ذاكرته، وفي الوقت نفسه يمر الوقت بسلاسة خلال الرحلة ونلاحظ أن المعلومات التي نقدمها تصبح أسهل بالنسبة إليه، فكثيراً ما يتحجج الطلاب بوجود نوع من الملل في بعض الحصص المدرسية لذا تأتي الرحلات التابعة لمناهج التعليم لتطرح المعلومات بطرق أكثر تشويقاً».

وتؤكد سوسا أهمية الرحلات المدرسية حتى وإن كانت للترفيه، موضحة: «هناك دائماً أثر إيجابي لهكذا نوع من الأنشطة المدرسية فهي تمكّن الطالب من الاعتماد على نفسه وتحمل المسؤولية، وفي شتى الدول المتقدمة يحث الأهل أولادهم على المشاركة في رحلات تدوم عدة أيام إيماناً منهم بتأثير ذلك عليهم ودفعهم لتحمل مسؤولية أنفسهم. كما أن كل مدرسة تعتمد بروتوكولاً للرحلات يختلف وفقاً للمناهج ولقدرة الكادر التعليمي، فالقيام بالرحلات يعتبر أمراً متعباً بالنسبة للبعض، ناهيك عن المسؤوليات الكبيرة التي تلقى على عاتق الكادر التعليمي المنظم للرحلة، إلا أن هذا لا يثني بعض التربويين من القيام بكل ما يمكن لإغناء المادة التي يدرسونها».

تغطية التكاليف

في حين يركز البعض على الأثر الإيجابي للرحلات المدرسية يرى البعض الآخر فيها مزراباً يضخ المزيد من الأموال للمدارس. ويعتقد الكثير من الأهل بأن تنظيم الرحلات يجب أن يكون بمتناول الجميع، فليس من العدل انتقاء حفنة من الطلاب لرحلة ما دون غيرهم لأنها تتطلب ميزانية كبيرة. في هذا السياق يوضح زياد نجم (أب لولدين في المرحلة المتوسطة) «إن بعض المدارس تبالغ في طلباتها حتى أنها تلجأ إلى تنظيم الرحلات الخارجية عمداً لتعزيز وضعها المادي مؤكداً أنها تلجأ إلى الرحلات للإفادة المادية علماً أن عدداً كبيراً من الأهل يحجم عن الموافقة على سفر أولادهم لأسباب مادية».

وبين مؤيد لهذه الأنشطة ومعارض لتكاليفها الباهظة يبقى الهدف اعتماد كل ما أمكن لتطوير أساليب التعليم والابتعاد عن التلقين الببغائي واستبداله بأنماط تعليمية سبقت إليها الدول المتطورة بأشواط.