ميقاتي: توازنات جديدة تكسر الحواجز الوهمية وتضع العزم في قلب المعادلة الوطنية والشرعية العربية والدولية
 
خاض الرئيس نجيب ميقاتي غمار الإستحقاق الإنتخابي وسط حملات متلاطمة من الهجمات الضغوط الهادفة إلى كسره ومنع حصوله على كتلة نيابية وازنة والحدّ من تأثيره السياسي في طرابلس ومن دوره على المستوى الوطني ، في ظل قانونٍ تعالت صيحات أهل السلطة أنفسهم من تداعياته السلبية الناجمة عن فرض التسابق لنيل الصوت التفضيلي ، وما أنتجه من تصدعاتٍ داخل اللوائح وما أنتجه من خطاب سياسي طائفي تطاير بين المناطق وإعترف بمخاطر نتائجه الرئيس نبيه بري الخائف على الوحدة الوطنية بعد إنتهاء الإستحقاق النيابي.
 
إسقاط إدعاءات إنتماء ميقاتي للمحور السوري
 
يأخذ خصوم ميقاتي عليه أنه في مرحلة الوصاية السورية كان على علاقة بالنظام وأنه كانت له أعمال وشركات في سوريا.
والواقع أن التعاطي بالمال والأعمال مع النظام السوري لم يكن محصوراً بالرئيس ميقاتي ، بل إن الرئيس الشهيد رفيق الحريري كان حينها صاحب الباع الأكبر في هذا التعامل والمعروف عنه أنه في ذلك الحين بنى منشآتٍ وقصوراً ، ولم يعتبر أحدٌ ذلك نقيصةً بحقه ، نظراً لطبيعة تلك المرحلة التي كان فيها آل الأسد يحكمون لبنان بتفويضٍ دولي كامل.
ومن المنطقي أن ينطبق هذا المعيار على ميقاتي كما إنطبق على الرئيس الشهيد رفيق الحريري.
 
 
ميقاتي والإنسجام مع منظومة الشرعية العربية والدولية
 
إلتزم الرئيس ميقاتي ويلتزم المعايير الدولية في التعامل السياسي والمالي سواء فيما يتعلق بالنظام السوري أو "حزب الله" لأنه يتحرك ضمن منظومة الشرعية العربية والدولية ، ويلتزم بمعاييرها وقراراتها ، وهو ما يبدو جلياً من خلال علاقاته المفتوحة مع العالم ، سواء الولايات المتحدة الأميركية أو الإتحاد الأوروبي ، أو الدول العربية ، وهو الذي تلقى مؤخراً سلسلة رسائل إيجابية مميزة من المملكة العربية السعودية ، وصلته من خلال مشاركة السفير المفوض رئاسة البعثة الدبلوماسية للمملكة وليد البخاري في فعاليات ونشاطات مؤسسات العزم ، أو من خلال الزيارات المتتابعة واللقاءات المتواصلة والمعبرة عن إرادة التواصل السياسي.
 
 
 
الحفاظ على الحضور السني في الدولة
 
أثبت الرئيس ميقاتي إلتزامه المعايير الوطنية والسيادية ، سواء خلال ترؤسه حكومته الأولى عام 2005 وحسن إدارته للعملية الإنتخابية وتأمين الإنتقال السلس للسلطة وبقائه خارج دائرة الترشيح والتنافس الإنتخابي ، حتى يمكن وصفه بأنه "سوار ذهب لبنان" ، أو خلال ترؤسه حكومته الثانية التي وصفها خصومه بأنها حكومة "القمصان السود" ، لكن هذه الحكومة تولّت تأمين تمويل المحكمة الخاصة بلبنان ، وخاضت معركة الحفاظ على المواقع السنية في وجه "حزب الله" بجدارة ، مازجاً بين إلتزامه قرارات الشرعية الدولية وبين حفاظه على ثوابت دار الفتوى الإسلامية التي تبناها كاملة قبيل تشكيله الحكومة عام 2011.
لهذا السبب وغيره ، كان سفير نظام بشار الأسد علي عبد الكريم علي يردّد أنه ممنوع أن يصل مع الرئيس ميقاتي أيّ نائبٍ سُـنـّي ، لأن بات ينظر إلى ميقاتي كمصدر قلق لنظامه المعترض بشدّة على معادلة النأي بالنفس التي أطلقها إبن طرابلس وواصلها ، وألزم من جاء بعده إعتمادها سياسية وطنية جامعة.
وعلى هذه الخلفية شنت وسائل إعلام ومواقع تابعة لنظام الأسد و "حزب الله" حملة شعواء على ميقاتي بلغت حدود هدر الدم تحريضاً وتهديداً ، في إمتدادٍ لإنتقادات أوساط الحزب التي خرجت خلال توليه رئاسة الحكومة وبعد إستقالته أيضاً. 
 
 
لمصلحة من إنهاء مفاعيل مصالحة الحريري ميقاتي؟!
 
 
بعد تجربة الحكم الإئتلافي المديدة بين "حزب الله" وتيار المستقبل ، والسياسات اللصيقة التي جمعت بينهما ، و"جلسات الحوار" التي تجاوزت الأربعين جلسة ، وإقتسام السلطة في الحكومة الأخيرة للرئيس سعد الحريري ، والتي شهدت تقدماً غير مسبوق من حيث الشكل والمضمون لمعسكر "حزب الله".
أجرى الرئيس الحريري والرئيس ميقاتي مصالحة على رؤوس الأشهاد قبيل خوض الإنتخابات البلدية الأخيرة ، كان يفترض أنها طوت مرحلة الطعن في وطنية ميقاتي وإنفتاحاً ميقاتياً للتعاون مع الحريري ، ولا يصحّ بعدها العودة إلى المربع الأول ، الأمر الذي شهدناه في الحملة الإنتخابية المنصرمة.
 
دور ميقاتي جديد بعد الإنتخابات
 
بعد الإنتخابات النيابية ، حصد الرئيس ميقاتي ما يزيد عن 22 ألف صوت من أبناء طرابلس مع كتلة ضمته إلى النواب: جان عبيد ونقولا نحاس وعلي درويش ، وأعلن ميقاتي أنه سيكون على رأس كتلة مستقلة تعطي الأولوية لطرابلس والشمال في الإنماء والحقوق وتكون شريكاً في السياسات الوطنية.
رفض ميقاتي الإنضواء في كتلٍ نيابية تجمعه مع النائب فيصل كرامي وجهاد الصمد أو مع النائب سليمان فرنجية ، لإعتبارات سياسية وأخرى شكلية ، فاتحاً الباب للتعاون في مجال التنمية ، متجنباً بذلك الإنحياز إلى المعسكر المحسوب على "حزب الله" في الشمال .
صنع الرئيس ميقاتي بتأنٍ وهدوء توازناً جديداً في علاقاته السياسية ، من خلال إنفتاحه على "القوات اللبنانية" التي دعمت مرشح "العزم" في الضنية محمد الفاضل في خطوة لاقاها ميقاتي عبر مشاركته في إحتفال القوات بإفتتاح مشروع بيت الطالب .
 
 
 
ميقاتي - القوات: حان وقت تحرير الذاكرة الوطنية
 
أول إستنتاج يمكن الوصول إليه في مقاربة حدث التعاون الإنتخابي بين القوات وميقاتي هو أن زمن شيطنة القوات اللبنانية ورسم الحدود أمام إنتشارها السياسي قد إنتهى ، خاصة أنه ثبت للجميع أنها شريكة في النسيج الوطني في كل لبنان ، ووبالتالي فإن دعاية نظام الأسد لعزلها على مدى سنوات الوصاية إنتهى مفعولُها ، وحان وقت تحرير الذاكرة الوطنية من شحن وتشويهات المخابرات السورية عن الشركاء في الوطن.
في المقابل ، كسر ميقاتي حواجز كان البعض يضعها أمامه ليحدّ من إمتداده الوطني وليضعه أمام خيارات مغلقة تجعله أسير توجهٍ سياسي واحد..
ما فعلته القوات اللبنانية وميقاتي هو تحطيم حدود الممنوعات الوهمية والإنفتاح على كل الشراكات الوطنية ، فالقوات بادرت للتعاون ولاقاها ميقاتي ، بل إن مستشاره الدكتور خلدون الشريف اعلن صراحة الإنفتاح على التعاون مع كتلة القوات اللبنانية .
 
 
جبهة الحفاظ على الطائف
 
يجمع الرئيس ميقاتي والقوات اللبنانية وتيار المستقبل والرئيس سعد الحريري والحزب التقدمي الإشتراكي والرئيس نبيه بري وحزب الكتائب وقوى أخرى ، التمسك بإتفاق الطائف ويعلم اللبنانيون أن المعركة المقبلة هي الحفاظ على هذا الإتفاق الضامن للسلم والإستقرار والتوازن الوطني ، ونتوقع أن يتلاقى جميع المخلصين على حمايته والعمل على إستكمال تطبيق بنوده كافة ، وأن تتشكل جبهة الحفاظ على إتفاق الطائف لتشمل كل من يتمسك بالوحدة الوطنية ، في وجه المشاريع الزاحفة من الجوار لشرعنة الميليشيات الآكلة للشعوب والدول .
 
الوسطية الفاعلة
 
يمسك نجيب ميقاتي بوسطيةٍ وإستقلالية سياسية حقيقية ، إستطاع بلورتها بشكلٍ خاص بعد الإنتخابات النيابية ، فهو يعلن بوضوح دعمه المطلق لكل من يشغل موقع رئاسة الوزراء حفاظاً وصوناً لموقع أهل السنة في الدولة ، وهو يحتفظ بعلاقة طيبة مع رئيس مجلس النواب نبيه بري ويضع علاقته بالحزب على مسطرة العلاقات العربية والدولية بشكلٍ عملي ، ويتمتع بعلاقة عميقة مع النائب سليمان فرنجية ، لكن هذا لم يحرجه في الدخول في كتلة لا يصحّ أن يرأسها إلا ميقاتي ، المنفتح على القوات اللبنانية والمستعد للتعاون معها..
نجيب ميقاتي طاقة سنية إيجابية ترفد الحياة السياسية بذخيرةٍ وطنية وإسلامية وسطية ، في الدين والسياسية ، نرجو أن تتلاقى مع الإخوة في الإسلام والشركاء في الوطن لإعلاء شأن الإنسان وتفعيل التنمية ومواجهة التهميش والحرمان المنتج للتطرف والمحرّض على العنف.