سحرت الغرب بعينيها الخضراوين وبشرتها السمراء مجسّدةً بجمالها خليطاً بين الشرق والغرب، فحملت اسمها اللبناني بوشاح اوسترالي إلى منصة تتويج ملكة جمال العالم. وتهدف اليوم إلى الخلط بين عالم الموضة والجمال وعالم البؤس والفقر والتشرّد، من خلال استثمار جمالها وشهرتها لتسليط الضوء على قضايا إنسانية. ملكة الجمال وعارضة الأزياء والمحامية المدافعة عن القضايا الإنسانية جسيكا قهواتي، تسرد مسيرتها لـ»الجمهورية» وصولاً إلى مخيمات اللاجئين حيث تُرسّخ نفسها سفيرةً لقضاياهم، وتُعرِّف العالم الى قصصهم المؤثّرة.
 

لم تكتفِ قهواتي كغيرها من الجميلات بعرض الملابس والأكسسوارات وتوقيع العقود مع أشهر العلامات التجارية، بل تتطلّع إلى دخول الأمم المتحدة من بابها العريض خلال الأشهر المقبلة، لتكون سفيرتها لقضايا اللاجئين، على غرار مشاهير عالميين.

حلم يراودها منذ الصغر

ولدت جسيكا في أوستراليا من أم وأب لبنانيين، وكانت منذ صغرها تسعى إلى حلّ مشكلات الناس ومناصرة المظلومين والدفاع عن حقوقهم، فتوقَّع أهلها أن تتخصّص في المحاماة.

بدأت مسيرتها كعارضة في عمر الـ 14 بواسطة والدتها التي كانت تعمل في مجال الموضة في أوستراليا. صوّرت إعلانات في عدّة بلدان منها اليابان، الهند، الولايات المتحدة وأوستراليا... وأكملت دراستها الجامعية وتخصّصت محامية، لكنها كانت تحلم بممارسة رسالتها بالدفاع عن حقوق الناس بعيداً عن قوس المحكمة، وبخلط عالم الموضة والجمال بالقضايا الإنسانية. وبعد أن فازت بلقب ملكة جمال أوستراليا، وحلّت على منصة تتويج ملكة جمال العالم كوصيفة ثانية، بات حلمها أقرب إلى التحقّق.

خطى ثابتة

عالم الجمال نقلَ قهواتي إلى تقديم البرامج، فمنحتها شركة «ياهو» العالمية فرصة تقديم برنامجين مشتركين بين الولايات المتحدة والشرق الأوسط، ما زاد جمهورها عبر شبكة الانترنت. ثم انتقلت لتقديم برنامج Project runway الذي يُعنى بتصميم الأزياء على شاشة الـ mbc.

مراحل حياتها المهنية من منصّات الجمال إلى عروض الأزياء وتقديم البرامج مَنحتها شهرة عالمية، فباتت تطال ملايين الناس عبر وسائل التواصل الاجتماعي. وأرادت الانطلاق منها لإنجاز أعمال خيرية.

ونظراً لتأثّرها بقضايا اللاجئين، ومحاولتها جمع المال للجمعيات الخيرية منذ بدء مسيرتها كعارضة، وصل صيتها إلى الأمم المتحدة، فدَعتها اليونيسف العام الماضي إلى مخيم الزعتري في الأردن، في إطار حملة قامت بها شركة «لويس فويتون».

أتت الحملة بثمارها، إذ ساهمت جسيكا بتسليط الضوء على معاناة قاطني المخيّم، ونشر الوعي والمعرفة حول عَوزهم وتعريف الناس الى قصصهم المؤثرة عبر صفحاتها على وسائل التواصل، ما سَهّل جمع التبرّعات لهم، سعياً وراء تحسين حالهم.

وتشير جسيكا إلى أنّ «الناس تجاوبت معها بشكل كبير لأنها استخدمت شهرتها في عالم الموضة السطحي لتقدّم لمتابعيها ما هو عميق ومؤثّر». وتؤكد: «ليس مألوفاً، وخصوصاً في الشرق الأوسط، أن يستخدم شخص تأثيره عبر وسائل التواصل خدمةً لقضايا إنسانية مهمة وملحّة».

بعد هذه التجربة المميّزة دعت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين قهواتي إلى بنغلاديش، حيث تعرّفت الى شعب الروهينغا الهارب من ميانمار. وتلفت إلى أنّ «هذه الرحلة كانت فرصة لنعرّف المتابعين الى هؤلاء الناس، خصوصاً أنّ الإعلام العالمي لا يتناول قضاياهم بإنصاف، ولا يمنحهم المساحة الكافية، بل تطلّ معاناتهم الجبّارة رقماً في نشرات أخبار روتينية».

وتضيف: «يشعر الإنسان أكثر مع أخيه الإنسان عندما يدرك تفاصيل وضعه ويتعرّف الى ألمه، وهذا ما أحاول فِعله عبر صفحاتي الإلكترونية». كما تغطّي رحلات جسيكا إلى المخيمات وسائل إعلامية عالمية، منها مجلة «فوغ» العالمية وصحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية...

وتعتبر قهواتي أنّ «وضع اللاجئين مؤسِف وقصصهم بائسة لكنها تروي عن شجاعة خيالية، وسط تعرّضهم للإبادة، والقتل الجماعي، والتمييز والكثير من العنصرية». وتدعو الدول إلى الاهتمام بقضاياهم، ضماناً لمستقبل أجيال تتعذّب وتخسر فرَص التعليم، كما تفتقد الغذاء السليم والرعاية الصحية الضرورية، وتعاني الضياع... ما سيحمّل الدول الكثير من الأعباء في المستقبل.

التفكير بالغير... أساس

تَتوق قهواتي إلى أن تعطي المزيد من المعنى لمسيرتها المهنية من خلال تقديم برنامج إنساني يهدف إلى دعم اللاجئين، تطلّ فيه من المخيمات، وتلقي الضوء على أماكن لم تَزرها بعد، مثل أفريقيا والهند... مُركّزة على قضايا الشرق الأوسط وخصوصاً الأولاد المشرّدين. وتؤكد أهمية أن «يشعر الإنسان مع الغير، ويقدّر البركات التي مَنحته إيّاها الحياة ويستخدمها ليفيد الآخرين بها».