ميل مرجعية السيستاني للابتعاد عن مرشحي الحشد المدعومين إيرانيا وسط خلاف فقهي قديم بدأ يأخذ طابعا سياسيا
 

 تخوض المرجعيتان الشيعيتان في العراق وإيران “حربا باردة” غير معلنة، تتعلق بالتأثير على نتائج الانتخابات العراقية العامة المقررة في 12 من الشهر الجاري، ومحاولة توجيه الناخبين نحو خيارات محدّدة.

ويقلد الملايين من العراقيين الشيعة مرجعية علي السيستاني في النجف، ويطيعون أي أوامر يصدرها بشأن الوضع السياسي، فيما يحظى علي خامنئي ببعض المقلدين العراقيين، وأبرزهم زعماء فصائل مسلحة ترفع شعار “المقاومة الإسلامية”، وانخرط الجزء الأكبر منها في قوات الحشد الشعبي.

ويقول ساسة عراقيون مطلعون على تفاصيل هذه “الحرب الباردة”، إن “المرجع الشيعي الأعلى في العراق، علي السيستاني، يتصدى لطموحات المرشد الديني الأعلى في إيران، علي خامنئي، بشأن نتائج الانتخابات العراقية”، مشيرين إلى أن “هذه الحرب تدور بين المبلغين التابعين للطرفين، الذين ينشطون متحدثين في المناسبات والمحافل الشيعية في العراق”.

ويقول سياسي شيعي مطّلع على تفاصيل هذا الملف الحساس إنّ “العلاقات بين مرجعيتي السيستاني وخامنئي، في أسوأ ظروفها، وتتشابه مع لحظة التوتر البالغ بينهما عندما دعمت الأولى استبدال رئيس الوزراء السابق نوري المالكي برئيس الوزراء الحالي حيدر العبادي العام 2014”.

ويشرح السياسي ذاته أنّ “الصراع بين المرجعيتين وإن كان قديما، فإنّه يتخذ الآن طابعا سياسيا لا علاقة له بالاختلاف على التعريف الإيراني لمبدأ ولاية الفقيه. فالمسألة تخطت الخلاف الفقهي حين بدا واضحا أن إيران تسعى إلى الهيمنة على قرار المرجعية الدينية في النجف بعد أن نجحت في الهيمنة على القرار السياسي في العراق”.

 
ارتفاع قيمة الرهان في الانتخابات العراقية التي اقترب موعدها، يساهم في كشف صراع خفي بين مرجعية النجف ومرجعية قم الشيعيتين ظلّ يجري التعتيم عليه وحصر نطاقه بإحكام، لكن حرارة الحدث السياسي العراقي هذه المرّة بدأت تزيح الستار عنه بفعل التباعد الواضح في منظور المرجعيتين بشأن من يجب أن يحكم العراق بعد الانتخابات المرتقبة.

ويضيف، طالبا عدم الكشف عن اسمه، “كما يبدو فإن إيران تستثمر اليوم الخطأ الذي ارتكبه السيستاني حين أطلق فتوى الجهاد الكفائي وهو ما سمح للميليشيات التابعة لإيران بالقبض على مواقع مهمة في مفاصل الدولة، فضلا عمّا كسبته من تعاطف شعبي على أساس أنها حمت العراق من داعش، وهو ما تستثمره إيران للتأثير على الانتخابات من خلال إظهار زعماء تلك الميليشيات باعتبارهم رموزا بطولية للانتصار على التنظيم وإنقاذ المذهب ويحق لهم بالتالي أن يقودوا العراق في المرحلة المقبلة، بعد أن تبين أن السيستاني قد اتخذ قراره بعدم دعم سياسيي الصف الأول من الشيعة الذين تحوم حولهم شبهات الفساد”.

كما يتوقّع ذات المتحدّث “تفاقم ذلك الصراع السياسي وتوسّعه في ظل اعتماد المرجعية الإيرانية على ميليشيات مسلحة في تقوية حجتها. غير أن ما يقوي قرار مرجعية النجف ما يُقال من أن الجزء الأكبر من شيعة العراق لا يميلون أصلا إلى ترجيح كفة مرجعية قم وهم في ذلك يمزجون الولاء الوطني بالخصوصية الفقهية والمكانة المعنوية التي تحظى بها مدينة النجف. وهو ما يعرفه الإيرانيون جيدا وقد يكونون قد استعدوا له من خلال تكثيف نشاطهم في المناطق الشيعية الرخوة التي لا تشهد نشاطا لافتا لممثلي مرجعية النجف”.

ويختم السياسي العراقي بالقول “في كل الأحوال فإن أحدا ليس في إمكانه أن يتوقع المدى الذي سيبلغه ذلك الصراع، إلاّ إذا أعلنت مرجعية النجف موقفا واضحا من المرشحين الذين تدعمهم إيران”.

وتتحدث مصادر عراقية عن “حملة تثقيف إيرانية واسعة في المحافل والمناسبات الدينية الشيعية في وسط وجنوب العراق، يقوم بها مبلغون عراقيون يقلدون خامنئي”.

وتركز هذه الحملة على محاولة إقناع الجمهور بدعم قائمتين انتخابيتين في الاقتراع، الأولى التي تضم الفصائل المسلحة الموالية لإيران ويتزعمها هادي العامري، والثانية التي يقودها رئيس الوزراء السابق نوري المالكي.

ويريد خامنئي ضمان أغلبية مريحة موالية له في البرلمان العراقي، تسهّل ترشيح شخصية عراقية خاضعة للنفوذ الإيراني، لمنصب رئيس الوزراء. وفي حال حققت قائمة “الفتح” بزعامة العامري وقائمة “دولة القانون” بزعامة المالكي فوزا مريحا في الانتخابات، فإن إيران ستضمن أن يكون رئيس الوزراء العراقي القادم خاضعا لها.

ويشكك مقربون من مرجعية النجف في إمكانية استمرارها بدعم العبادي، مؤكدين أنها لن تمانع في استبداله شريطة أن لا يكون البديل تابعا لإيران.

وتترقب الأوساط السياسية في العراق توجيهات بشأن الانتخابات، يعتقد أنها ستصدر عن مرجعية النجف يوم غد الجمعة، ردا على حملة المبلّغين التابعين لخامنئي، التي تروّج في الأوساط الشيعية للعامري والمالكي.

وقالت مصادر “العرب” إن “توجيهات السيستاني التي ستصدر الجمعة، تتضمن انتقادا للبرلمان العراقي، الذي أقر قانونا انتخابيا سيئا، يتيح بقاء الأحزاب الكبيرة في السلطة، ويكرس هيمنتها على المؤسسة التشريعية”.

وتضيف أن المرجعية ستحث الناخبين العراقيين على اختيار وجوه جديدة، كما أنها ستدعو الوجوه المحترقة إلى التنحي عن المشهد السياسي، فضلا عن أنها ستوضح معنى عبارة “المجرب لا يجرب” التي دار حولها نقاش طويل، وتعرضت لتأويلات عديدة. لكن أهم هذه التوجيهات تتعلق بالتحذير من انتخاب القوائم التي تستخدم الحشد الشعبي في دعايتها، في إشارة واضحة إلى قائمة الفتح.

ويقول مراقبون إن إعلان المرجعية يوم غد الجمعة، ربما يوجه ضربة كبيرة لطموح إيران في تحويل نتائج الانتخابات العراقية إلى مصلحتها بالكامل.