ليس مستغرَباً أن تتوسّع التحليلات التي تحاكي مرحلة ما بعد 6 أيار، وخصوصاً على مستوى التشكيلة الحكومية. فكل السيناريوهات المتداوَلة تتناول طريقة تقاسم الحقائب السيادية والخدماتية بعد احتفاظ القوى الحالية بمواقعها وحصصها وإن تبدّل بعض الوجوه. فالصفقة المنتظرة ستحمي المعادلة القائمة ما خلا ما رُصد من محاولاتٍ لحرق بعض الأسماء. فما هو المتداوَل؟ ولماذا الآن؟
 

ليس ثابتاً في أيّ مقاربة لتشكيلة الحكومة الجديدة حيث تجرى «البروفات»، سوى التفاهم على إقصاء المعارضة ما لم تأتِ الانتخاباتُ بنتائج لا يتوقعها احد من اهل السلطة. فتسخير هذا الكم من القدرات الذي تمتلكه هذه القوى غايته عدم السماح بنفاذ المعارضين الى ساحة النجمة بالحجم الذي يمكن أن يشكّل قلقاً على مشاريعهم للمرحلة المقبلة.

وبعيداً من ايّ منطق ديماغوجي، لم يظهر بعد أيُّ مؤشر يوحي بالتساهل في التعاطي مع تركيبة المجلس النيابي المقبل. فالحروب الكاسرة الجارية في معظم الدوائر توحي بالنّية والقرار الحاسم لتقاسم قوى السلطة المقاعد النيابية أيّاً كان الثمن ولو بلغت النتائج المتوقعة تشويه صورة العهد ورجالاته، فهم على قناعة أنهم قادرون في المرحلة المقبلة على طيّ هذه الصفحة بالسرعة القصوى تحت عناوين شتى ولربما قدّمت لهم التطوّرات السلبية المنتظرة في مجريات الأزمة السورية وما يلوح في الأفق من مشاريع الحرب المقبلة في المنطقة، ما يكفي لتجاوز النتائج السلبية لهذه الإنتخابات أيّاً كان حجمها.

على هذه الأسس، لا يرى الباحث عمّا يدعم هذه النظرية عناءً في ما يقود الى المعادلة الجديدة التي يسعى اليها اهل الحكم لفرض سيطرتهم على مفاصل السلطة التشريعية ومن خلالها وضع اليد على السلطة التنفيذية المتمثلة بالحكومة العتيدة في مرحلة لاحقة. فكل المؤشرات تدل على نيّة استثمار نتائج الإنتخابات بغية تعزيز المواقع وفق معادلة تقود مجدداً الى الديموقراطية التوافقية أيّاً كانت أحجام بعض الأطراف.

وإن كان بارزاً أنّ الثنائي الشيعي يخوض معركته الإنتخابية بكل طاقاته السياسية والحزبية ومعها الفتاوى الشرعية للإمساك بالمقاعد السبعة والعشرين للطائفة بلا أيّ حرج. فإنّ الحملات الإعلامية وسيل المواقف يوحيان أنّ هذه السيطرة ستكون مضمونة النتائج بلا أيّ خرق يُذكر. وهو ما يسعى اليه المكوّن السنّي بزعامة تيار «المستقبل» ايضاً، وإن بدرجة أقل، سعياً للبقاء في موقع المتحكّم بالسيطرة المطلقة على اكبر عدد من المقاعد السنّية للعودة برئيسه معزّزاً الى السراي الحكومي الكبير أيّاً كانت الخروق المتوقعة في الجسم النيابي.

وكل ذلك يجري في وقت لم يوّفر «التيارالوطني الحر» أيّ خطوة تكرّس السعي الى وضع اليد على أكثرية المقاعد المسيحية، فقاد تحالفات مالية وسياسية وحزبية خرق من خلالها كل المقايس التي تتحكّم باللعبة الإنتخابية على قاعدة رقمية ومالية تجاوزت كل المبادئ السياسية بنحوٍ لم يسبقه اليه احد قبلاً على مدى المحطات الانتخابية السابقة أيّاً كانت الكلفة المقدّرة لهذه المعركة في داخل التيار ومحيطه ومع حلفائه وحلفاء الحلفاء، وهو ما قاد الى القول إنّ ما هو مطلوب يبرّر في نظرهم كل الوسائل المعتمدة من اجل الغايات التي لم تعد خافيةً على أحد.

وما بين هذه المواجهات المنتظرة لم تتوحّد القوى المتضرّرة من «لعبة الأقوياء» الذين أنتجوا قانون الإنتخاب الهجين بغية حفظ مقاعد لهم في المرحلة المقبلة. ولذلك فقد تعدّدت الترشيحات ومعها اللوائح الإنتخابية المتناحرة على الفتات في كثير من الدوائر الإنتخابية يحيث إنها يأكل بعضها من صحون بعض بلا أيّ استراتيجية واضحة كانت مطلوبة لمواجهة تكتلات مذهبية وسياسية تسعى الى الإمساك بكل مفاصل السلطة.

وتأسيساً على كل ما تقدّم، وتحت عنوان السعي الى تشكيل «حكومة العهد الأولى» رغم عبور الثلث الأول تقريباً من العهد تجري المقارباتُ المتداوَلة للحكومة المقبلة فلا تجد أيَّ خلاف بارز حول هوية مَن سيكون رئيسها، فهو الحريري الباقي في السراي متوَّجاً بالتفاهمات المباشرة وغير المباشرة التي بُنيت عليها الصفقة الرئاسية قبل عشرين شهراً تقريباً وكرّستها محطات عدة على خلفية البحث عن الأقوى ليكون ممثلاً وفق التوزيعة الطائفية للمواقع الكبرى في السلطة.

والى هذه الزاوية التي تعني السلطة التنفيذية والتي لم تعد تخضع لأيّ تشكيك، في انتظار ما سيزيدها قوةً ومناعةً كونها ستأتي في محطة دستورية لا بدّ من ولوجها بعد تتويج الرئيس نبيه بري رئيساً لمجلس النواب بلا منازع إثر سقوط كل مشاريع الإبعاد وما رافقها من «غوغائية» سياسية وحزبية تلاشت، لتبدأ بعد ذلك تلقائياً عملية تقاسم الحقائب الوزارية وفق حصص لن تخرج في شكلها ومضمونها وحجمها عمّا تكرّس في الحكومة الحالية التي ستستقيل دستورياً لحظة انتهاء مجلس النواب الحالي في 21 أيار الجاري.

والى تلك المحطة تزخر المقاربات لشكل الحكومة الجديدة وتركيبتها بالأسماء المتوقعة لهذه الحقيبة او تلك على قاعدة تكريس المواقع والحقوق السياسية كما المذهبية في توقيت يخشى أن يكون الهدف منه حرق بعض الأسماء على قاعدة أنّ «مَن استعجل الشيء قبل اوانه عوقب بحرمانه» واستباقاً لمواجهة حتمية حول بعض الحقائب.

وعلى هذه الخلفيات يبدو أنّ رئيس الجمهورية ما زال عند وعده بأنّ الحكومة المقبلة هي «حكومة العهد الأولى» ولم يتراجع بعد عن هذا التوصيف في وقت يدخل بري في المواجهة على قاعدة الإحتفاظ بالتوقيع الثالث الإلزامي على كل المراسيم من باب وزارة المال متلازِماً وقراراً واضحاً لـ»حزب الله» بالمشاركة في الحكومة المقبلة من بوابة الحقائب السيادية ولن يكتفي بحصة «وزارات الدولة» بعد الآن.

فيما سيسعى الحريري الى الإمساك بحقائب أساسية لمواجهة الاستحقاقات الإقتصادية والمالية الكبرى المطروحة، ويجهد «التيار الوطني الحر» في البحث عن طريقة للاحتفاظ بالحقائب الدسمة بمعزل عن حصة رئيس الجمهورية وهو ما سيفتح الآفاق على نقاشٍ حامٍ ليس سهلاً إنهاؤه بولادة طبيعية وسريعة للحكومة على ما يتّضح من أكثرية السيناريوهات المتداوَلة.