تشهد ثلاثة بلدان عربية انتخابات نيابية وبلدية، ما بين السادس إلى الثاني عشر من أيار/ مايو الحالي. ففي لبنان تجري الانتخابات النيابية في السادس من الشهر الحالي، بعد أن انتخب المغتربون اللبنانيون والموظفون المشرفون على الانتخابات في الأيام الماضية، وفي اليوم نفسه تجرى الانتخابات البلدية في تونس، وهي أول انتخابات بلدية بعد الثورة الشعبية التونسية وهي تشهد منافسة كبيرة ومشاركة واسعة سياسية وشعبية ومن قبل مؤسسات المجتمع المدني. وفي الثاني عشر من هذا الشهر، يشهد العراق انتخابات نيابية مهمة بعد أن نجح في مواجهة تنظيم داعش، وفي ظل تغييرات سياسية واسعة ومنافسة كبيرة بين مختلف القوى، وحتى داخل الحزب الواحد، كما هو الحال بالنسبة لحزب الدعوة الإسلامية.

ومن خلال المتابعة المباشرة للانتخابات النيابية في لبنان والعراق، ومن خلال الاطلاع على ما يجري في تونس عبر وسائل الإعلام، والتواصل مع بعض المتابعين للشأن التونسي حول الانتخابات البلدية، يمكن تسجيل ملاحظات مشتركة حول هذه "الأعراس الديمقراطية" في هذه البلدان الثلاثة:

أولا: حجم المشاركة السياسية والشعبية الواسعة في هذه الانتخابات، والمنافسة الكبيرة بين مختلف القوى الحزبية ومؤسسات المجتمع المدني والشخصيات المستقلة، ففي لبنان ترشح حوالي 900 مرشح، من نساء ورجال يمثلون عشرات الأحزاب والقوى ومجموعات المجتمع المدني، وتشكلت 77 لائحة لخوض الانتخابات ضمت حوالي 600 مرشح. وفي العراق، بلغ عدد المرشحين حوالي 2000 مرشح من نساء ورجال، وأعلنت المفوضية تسجيل 88 قائمة و205 كيانات سياسية و27 تحالفا انتخابياً، بغرض المشاركة في الانتخابات. وفي تونس، بلغ عدد قوائم المرشحين للمجالس البلدية 2173 قائمة، بينها 177 قائمة ائتلافية و897 قائمة مستقلة و1099 قائمة حزبية.

ثانيا: أن معظم الشعارات التي تطرح في هذه المعارك الانتخابية تركز على القضايا التنموية والاقتصادية وهموم المواطنين ومحاربة الفساد وتأمين الوظائف للمواطنين، في حين تغيب الشعارات الأيديولوجية والدينية مع وجود بعض الأبعاد السياسية للمعركة النيابية في لبنان والعراق، لكن البعد التنموي والاقتصادي ومكافحة الفساد يتقدم على بقية الشعارات.

ثالثا: في هذه الدول الثلاث، إضافة لدول أخرى، كالمغرب والجزائر والأردن والكويت، فإن حجم المنافسة السياسية والشعبية الكبيرة يعود إلى وجود حيز أوسع من الديمقراطية والحريات العامة مقارنة بدول عربية أخرى، وهذا يعطي للمنافسة بعدها الحقيقي، بعكس ما يجري في دول أخرى. فكلما زادت نسبة الديمقراطية والحريات وحقوق الإنسان؛ تحولت الانتخابات إلى حدث سياسي وشعبي حقيقي ومؤثر في عملية التغيير.

رابعا: أن الأحزاب التي تتبنى الفكر الإسلامي وتعود إلى مرجعية إسلامية في هذه الدول، أصبحت خاضعة لميزان الديمقراطية وتداول السلطة، وقد تكيفت مع الحياة السياسية والحزبية الديمقراطية، وتراجعت بشكل كبير عن شعارات الحكم الإسلامي والخلافة والمشاريع الكبرى.

خامسا: أن ملف مكافحة الفساد والمحاسبة أصبح يأخذ حيزا كبيرا من الاهتمام لدى الأوساط الشعبية في هذه الدول، والمواطنون يسألون عما قدّمته القوى والسياسية والحزبية لهم على صعيد التنمية ومواجهة الفقر والبطالة ومشاكل البيئة. وقد حرص زعماء وقيادات الأحزاب وبعض التحالفات والكتل الانتخابية؛ على تقديم كشف حساب للناخبين، والإعلان عن وعود انتخابية كبيرة.

من خلال هذه الملاحظات الأولية والعامة على الانتخابات في تونس ولبنان والعراق، يمكن التأكيد أن خيار الديمقراطية والانتخابات والمحاسبة السياسية والشعبية هو الطريق الوحيد للتغيير، وصولا للدولة المدنية أو دولة المواطنة ودولة القانون، وأنه كلما تعززت الديمقراطية وحقوق الإنسان والحريات العامة تراجع العنف والتطرف، وأن اللجوء إلى الانقلابات أو التغيير بقوة السلاح أو الثورات المسلحة والعنف لم يعد الوسيلة الصحيحة للتغيير. ومع أنه ليس بالضرورة أن تؤدي هذه الانتخابات إلى تغيير واسع في السياسات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية والتنموية في هذه الدول، فلا مفر أمامنا إلا الاحتفاظ بحقوقنا في التعبير عن الرأي وممارسة الانتخابات والمحاسبة، حماية لهذه التجارب الديمقراطية وغيرها من التجارب الأخرى في بلادنا، بانتظار قيام دولة المواطنة الحقيقية في كل العالم العربي والإسلامي.