ما معنى سكوت سماسرة الشعارات والبيانات والخطابات المتاجرين بالوطنية، وإصرارهم على المشاركة في حكومة يرأسها المندوب السامي الإيراني، هادي العامري، ويحكمها سفير دولة الولي الفقيه؟
 

في مقابل الحرارة التي دبت، بقوة وحماسة غير مسبوقة، في أسواق الأصوات الانتخابية، وما رافقها من حملات تشهير وتسقيط وتلميع وترقيع، تصاعدت درجة غليان الصوت الشعبي الوطني، في أغلب مدن الوسط والجنوب،  بما يشبه الإجماع على فشل فرسان السلطة، سابقين ولاحقين.

هذه المقدمة تقودنا إلى أن نكتشف إدراك هذه الجماهير الغاضبة، أخيرا، أن محتكري أدوات السلطة والمال ليسوا وحدهم الذين تريد الجماهير “خلعهم” و“شلعهم”، بل إن معهم سياسيين آخرين منافقين مزورين انتهازيين أتقنوا فنون “الأكل مع الذيب والبكاء مع الراعي”، خصوصا أولئك الذين يرتدون ثياب العلمانية والديمقراطية والشكوى من الفساد والفاسدين بعد أن تبين لها أن هؤلاء وأولئك حين يلتقون يتباوسون ويتحاضنون ويتضاحكون، وكأن كل واحد منهم يقول لزميله، لا تخف، ولا تحزن، فكلنا لصوص يا صديقي.

وهي تعرف أكثر من غيرها أن النزيه الحقيقي لا يستطيع العيش مع حرامي، والوطني الصحيح لا يصاحب ولا يجامل ولا يهادن من ثبتت خيانتُه لشعبه، وعمالتُه لهذه الدولة أو تلك.

أما الذي صمد، وظل مطلق السراح، متنقلا بحرية، ومتحدثا بحرية، ومكتنز الذهب والفضة، بحرية أيضا، وعاش، في كل السنين السالفة، بين أباطرة الفساد والاختلاس والتهريب، وما قتل، ولا اعتقل، ولا فرَّ هاربا إلى منفى قريب أو بعيد، فهو منهم، ومـن نفس فصيلة دمائهم الملـوثة بالمال الحرام وبالعمالة للأجنبي، حتى وإن ارتدى ثياب الورعين أو المصلحين أو المعارضين.

أما الذي استدعى هذه المقدمة الطويلة فهو الكلام الخطير، جدا جدا، الذي يقشعر له البدن، والذي لا يعلن فيه صاحبُه عن إيمانه، فقط، بولاية الفقيه، ولا لأنه يجاهر ويفاخر بانتمائه المصيري لدولة أجنبية تحتل وطنه، وتسرق بلاده وتُذل شعبه، بل لأنه يهين، بالقلم العريض، كل مواطن عراقي، كبيرا كان أو صغيرا، عربيا أو غير عربي، شيعيا أو غير شيعي، مسلما أو غير مسلم، ويستخف بهم وبمقدساتهم بكل جرأة وعنجهية وغرور، ولا يخاف ولا يستحي.

فقد أعلن القيادي في ميليشيات الحشد الشعبي، النائب رحيم الدراجي، أن ائتلاف الفتح الذي يقوده هادي العامري “يمتلك علاقات اندماجية مع إيران، وأن صعود العامري إلى رئاسة الوزراء سيربط العراق مع إيران ضمن اتحاد فدرالي، وهذا هو مشروع الفتح في المرحلة القادمة، وأن الحكومة القادمة ستضم كل المجاهدين الذين قاتلوا مع إيران في حرب الثمانينات ضد العراق”.

ومن جانبه رفض هادي العامري، نفسُه، الانتقادات التي وجهها مقتدى الصدر بشأن استخدام الحشد الشعبي كدعاية انتخابية لائتلاف الفتح، ولـ“المليشيات الوقحة”، وقال في كلمة له خلال حملة ترويج انتخابية في محافظة بابل، إننا “لم نقاتل من أجل الانتخابات، ولا نريد من أحد أن يجازينا على الجهود التي بذلناها”.

“نحن اليوم في مشروع آخر اسمُه مشروع (الفتح)، وهو مشروع الإمام الخميني قُدس سره”.

ورغم أن هادي العامري ومعاونيه ومساعديه يعترفون بأنهم قاتلوا جيش بلادهم مع جيوش أجنبية، ولا يريدون أن يكافأوا على هذه الخيانة العظمى لأنها واجب مبدئي مقدس، ولا يعاقبون ولا يساءلون من قضاء ولا حكومة، فإن هذا ليس وحده الخطير.

وليس خطيرا، أيضا، أنهم يؤمنون بأن إيران الخميني وطنُهم الأم، والعراقَ الذي أرضعهم من مائه وهوائه، مستعمرةٌ تابعة لدولة الولي الفقيه.

ولكن الخطير في كلامهم أنهم يعدون، ومصممون، فور انتهاء الانتخابات القادمة التي يؤكدون أنهم سيفوزون فيها بكثافة وقوة، على إلغاء الدولة العراقية، وإلحاقها بإيران، رسميا ودستوريا، بقرارٍ من البرلمان القادم، الذي سيكونون سادته دون منازع.

ولأن هذا الكلام قيل علنا، وعلى شاشات التلفزيون، وليس خلف الأبواب المغلقة، فإن من المحزن والمعيب أن يمر دون حساب ولا كتاب.

والحقيقة أن أحدا لا يعتب على الجماهير الغاضبة، لأنها لا حول لها ولا قوة، ولكن العتب كل العتب على زعماء التحالفات والائتلافات الوطنية والعروبية والإسلامية والعشائرية الذين يتقاتلون من أجل حفنة مقاعد في برلمان يعرفون، سلفا، أنهم سيكونون فيه شهود زور، ومصفقين،ومهرجين.

أليس كلامٌ من هذا الوزن، وبهذه الوقاحة، إعلانٌ صريح عن أن مواسم قتل وحرق ونهب واغتصاب وتهجير جديدة في انتظار هذا الوطن وأهله أجمعين؟

ترى، إذن، ما معنى سكوت سماسرة الشعارات والبيانات والخطابات المتاجرين بالوطنية، والشهامة، والنزاهة، والعدالة، وإصرارهم رغم ذلـك، على المشاركة في حكومة يرأسُها المندوب السامي الإيراني، هادي العامري، ويحكمها سفير دولة الولي الفقيه؟ ألا يخافون من شعبهم؟ وألا يستحون؟