تزدحم الشوارع بصور المرشحين وشعاراتهم الرنّانة، ويكثر الساعون إلى نشر الدعاية السياسية، فكلّ يروج لمرشحه المفضّل ويصوّره المُخلِّص دون سواه. في المقابل، يفيض المال الانتخابي سعياً وراء شراء الأصوات والكراسي والمناصب لمآرب شخصية، بينما يغرق المقترعون في هذه الزحمة فتضوج عقولهم ومنهم مَن يضيّع البوصلة، فيما يعبّر غيرهم عن امتعاضه من «بازار» انتخابي يلهث فيه مرشحون كثر وراء صوت الناخب لينسوه ويهملوا مطالبه وحاجاته بعد يوم على صدور النتائج.
 

في ظلّ الفوضى الانتخابية تعرض خبيرة الإتيكيت مارلين سلهب لـ«الجمهورية» أصول التعاطي مع الانتخابات والمرشحين لضمان أفضل النتائج المستقبلية لنا ولبلدنا.

«لماذا أنتخب ما دام صوتي لا يغيّر الأوضاع والمعادلة؟»، سؤال يردّده كثيرون. تؤكد سلهب أنّ «الانتخابات هي المرجع الوحيد للتطوّر الديمقراطي، فكيف نغيّر إن لم ننتخب، ولو سئمنا لأننا انتخبنا في السابق ولم تتغيّر حالنا، يجب أن نجرّب مرّة أخرى، فلا يمكن أن نتركَ بلدَنا ونستسلم للامبالاة».

كيف ننتخب؟

وسط كثرة الشعارات والوعود والبرامج الانتخابية تشدّد سلهب على أهمية أن لا نتوقف فقط عند الشعار المكتوب لننطلق منه ونمارس حقنا الانتخابي، بل يجب أن نبحث فعلاً عن المرشح وراءَه وندقّق في شخصيّته وأعماله وإنجازاته وبرنامجه وتاريخه، ونأخذ وقتاً للتفكير قبل منحه صوتنا لأنّ هذا البلد يحتوينا ويحتوي أولادَنا ومستقبلنا. يجب أن نهتمّ بهوية المرشحين لنحسن الاختيار، ونبحث في صحّة الأخبار الإيجابية أو السلبية المنقولة عنهم. ولا نهمل دورَنا كمواطنين في محاسبةِ مَن يعد بالكثير ولا يفي. فمن خلال تتبّع تاريخ الأشخاص، يمكن أن نهنّئ مَن أنجز فنمنحه صوتنا، أما مَن لم يُنجز وكذب علينا فلا نصوّت له مرة أخرى، لأنّ على المرشح أن يُرضي آمالنا، ويحقق طموحاتنا، وهكذا يمكن أن نغيّر.

الوراثة

وبينما تروج الوراثة السياسية في مجتمعنا، وسط مهاجمة كثيرين لهذه العادة اللبنانية وتأييد آخرين لها، تشير سلهب إلى «ضرورة تقييم قدرات كلّ سياسي. فمن حقّ كل الناس أن يمارسوا العمل السياسي، وتوق الوالد إلى توريث أبنائه خبراته وإنجازاته وأعماله منتشر في كل المهن، كما في السياسة. أما نحن فلا يجب أن نهتمّ بهويّة الأب أو الجد، بل «لنا على الشخص»، وقدرته على تمثيلنا. لذا يجب أن نتعرّف اليه والى أفكاره ومشروعه، ونقيّم مصداقيّته ونظرته للبلد والمواطن، قبل أن نتحمّس لمنحه صوتنا لأنه ابن فلان، أو نحكم عليه بالإعدام السياسي بسبب ممارسات أسلافه التي لا تُعجبنا».

الرشوة

ويبقى دفعُ الرشوة في لبنان واستغلال بعض المرشحين عوز الناس، لشراء أصواتهم في سبيل التنعّم بحكمهم لاحقاً، عادة متجذّرة في مجتمعنا. هل نقبل المال من المرشحين ونبيعهم أصواتنا الثمينة؟ تلفت خبيرة الإتيكيت إلى أنّ بيعَ أصواتنا من بيع كرامتنا ووطننا. فمَن يشتري الأصوات قادر مادّياً، ولكنه ضعيف وفاسد. بدل أن يقدّم مشاريع وإنجازات تفيد المواطنين وتحثّهم على التصويت له، يذلُّهم ويدفع لهم مرّة، ليجلس على كرسيٍّ نيابيٍّ لولاية كاملة.

وها هو المواطن بعد الانتخابات يتذمّر من واقعه المزري الذي لم يتغيّر، وهو قد باع فرصة تطوير حاله بثلاثين من الفضة. وتشدّد سلهب على أنّ الرشوة غير مسموحة، وحان وقت التغيير، فلا يجب أن نقبل ببيع أصواتنا أبداً.

علماً أنّ الفساد يبدأ من السياسي الذي يحاول شراءَ الأصوات ولا ينتهي عند المواطن الذي يشترك بهذا الفساد ويبيع صوته لمرشح بدل العمل على محاسبته ووضع حدّ لفساده. فهناك طرق غير مباشرة كثيرة يمكن أن يلجأ لها المرشح لكسب الأصوات عن طريق تقديم الهبات والتبرّع للجمعيات والمحتاجين، وإقامة مشاريع وتقديم الخدمات... بدل العمل على ذلّ الناس مباشرةً من خلال شراء أصواتهم بالمال.

وبينما يحرم شراء الأصوات العديد من المرشحين الكفوئين من فرصة النجاح فقط لأنهم لم يجمعوا ثروات طائلة بطرق مشبوهة يبتاعون بها ضمائر الناخبين وقرارهم الحرّ، يبقى السؤال: مَن يضمن لمَن يشتري صوت أيّ مواطن أنّ هذا المواطن سيصوّت له؟ فمَن يعرض صوته للشراء والبيع ويدخل شريكاً في الفساد يمكن أن لا يفي بوعده وأن لا يصوّت للمرشّح الذي دفع له المال!