قبل خمسة أيام على فتح صناديق الإقتراع ارتفعت نسبة المخاوف الأمنية المحيطة ببعض القيادات السياسية والحكومية قياساً على حجم التشنّجات التي أفرزتها حدّةُ المواجهة في بعض الدوائر الإنتخابية ونتيجة القلق المتنامي على بعض «العروش» النيابية ما دفع الى التحذير من إمكان استغلالها. وهو ما تزامن مع وشوشات عن طلب دعم دولي للأمن في لبنان. فما هي حقيقة هذه المخاوف؟
 

من دون إخفاء حجم الدعم الدولي والإقليمي للإستقرار في لبنان الواقع على خطّ الزلازل في المنطقة، نتيجة المواجهات المفتوحة في سوريا وفلسطين المحتلة على شتى المخاطر في مرحلةٍ هي الأدقّ في تاريخ المنطقة نتيجة التحوّلات المرتقبة على اكثر من مستوى، وحجم المخاوف من سيناريوهات سلبية يجري التداول في شأنها في أكثر من عاصمة غربية، وأخرى إقليمية، ولو في الغرف والمواقع الإستخبارية المغلقة.

لا يكفي ما عبّرت عنه سلسلة المؤتمرات الدولية والإقليمية التي نظّمتها المجموعة الدولية من اجل لبنان والإتحاد الأوروبي ومعهما مجموعة الدول والمؤسسات الكبرى الدولية والإقليمية المستثمرة والمانحة، للإستسلام الى أنّ الوضع الأمني مستقر. وأن ليس هناك ما يتهدّده في ظلّ المخاوف من قدرة بعض القوى الإقليمية على اختراق شبكات الأمان الداخلية.

فالإستعدادات الجارية للإنتخابات النيابية وما تسبّبت به من تشنّج وارتفاع مستوى الخطاب السياسي والاتّهامات المتبادلة بالإلغاء والتواطؤ والسعي الى استعادة الكتل النيابية الكبرى التي ستتقلّص حكماً، قد تشكّل أرضيّةً صالحة ومسرحاً لارتكابِ «جريمةٍ ما» يجري التحضيرُ لها في الخفاء على رغم حجم القدرات الأمنية المُمسكة بأمن البلاد والعباد، والقدرة المتوافرة على تنفيذ العمليات الإستباقية لتقليص مساحة حراك المجموعات الإرهابية النائمة وتعطيل مخططاتها.

ومردّ هذه المخاوف لا ينبع من اسباب داخلية تقود الى هذه المخاوف المشروعة فحسب، بل إنّ الغليان الذي بلغ الذروة في المنطقة على وقع الخلاف الروسي ـ الأميركي وبوادر المواجهة الإسرائيلية ـ الإيرانية المخفيّة تحت عباءتها، والتي ظهرت إحدى بوادرها ليل أمس الأول من خلال القصف الغامض على مواقع إيرانية وأخرى تابعة للنظام في أكثر من منطقة سورية، والتي تسبّبت إحداها بما يشبه هزّة أرضية زادت على 2،3 درجتين على مقياس ريختر ما يوحي باستخدام سلاح جديد لم تختبره الساحة السورية الى الآن رغم دخول الحرب فيها عامها الثامن.

وما يثير المخاوف أنّ المستهدَف هذه المرة بالإضافة الى مواقع النظام، تلك الإيرانية المُحدثة لها ولحلفائها على خلفية التمدّد الإيراني الواسع والمرفوض إقيلمياً ودولياً في بعض القطاعات والمواقع الإستراتيجية امتداداً الى لبنان، مع ما يوحي مثل هذا التفسير من اعتبار الساحة اللبنانية الهادئة نسبياً مساحةً مضافة الى مساحة التوتر السوري طالما أنّ الحزب ما زال يقاتل تحت كنف الإيرانيين في سوريا.

والى هذه المعطيات التي لا تقف عند حدود ما جرى أمس الأول، ووسط معلومات يجري التداول في شأنها من انّ الضربة الأميركية ـ البريطانية ـ الفرنسية ليست الأخيرة وأنّ مثيلاتها متوقعة في أيّ لحظة إن إستخدم النظام السوري، أو أيّ من حلفائه، أيّاً من اسلحته المحرّمة في أيّ لحظة، او أنه لم يلتزم ما تعهّد به قبلاً لجهة تسليم الأسلحة الكيماوية وتلك المحظورة فإنّ المخاوف نابعة ممّا يُحضّر في فلسطين المحتلة على ابواب الإحتفالات باعتراف واشنطن بالقدس «عاصمة أبدية» لإسرائيل على وقع أيام «العودة» على طول الحدود بين غزة وفلسطين المحتلّة وما ينجم عنها أسبوعياً من ضحايا، عدا عن المخاوف من حراك فلسطيني داخلي سيواكب الزيارة المرتقبة للرئيس الأميركي الى إسرائيل في ذكرى التأسيس والإحتفال بالعاصمة الجديدة للدولة العبرية، تُضاف اليها التصريحات الأخيرة لوزير الخارجية الأميركي الجديد وتعهّداته بالحفاظ على أمن إسرائيل ووجودها وقوّتها المتفوّقة على بقية جيرانها في المنطقة.

على وقع هذه المعطيات المحسوبة منذ زمن بعيد، تتّجه الأنظار الى ما تقوم به الأجهزة الأمنية من تدابير غير مرئيّة لحماية بعض الشخصيات السياسية والوطنية والمهدَّدة دوماً، وهي انتقلت في الفترة الأخيرة من طلب الإحتراز الى طلب وقف الحراك العلني لبعض الشخصيات وهو خير دليل على ما هو متوافر من معلومات دقيقة على الجميع تقدير مخاطرها العالية أيّاً كانت الظروف التي تعيشها البلاد والتي لا ترتبط بالتأكيد بالإنتخابات النيابية فحسب، ووضعت لها خطة أمنية قاسية ومتشدّدة احتُسبت مسبقاً بتصنيف المناطق التي يمكن أن تشهد خللاً أمنياً متوقّعاً وأخرى أقلّ خطراً وجنّدت لها عشرات الألوف من القوى الأمنية من مختلف الأجهزة المكلّفة حماية الأقلام الإنتخابية من الداخل ومحيطها في آن.

وعليه، لا ترغب المراجعُ العسكرية والأمنية الحديث والإسترسال في السيناريوهات المتوقعة لأنها تدرك أنها ليست المرة الأولى التي يجري التداول فيها، وتحديداً عن إمكان وجود مخططات أمنية تخريبية وارهابية. فالبلد يعيش هذا الهاجس منذ زمن بعيد وإنّ التنسيق القائم بين الأجهزة المختلفة قد عطّل وما زال الكثير ممّا هو متوقع من خروقات أمنية كانت متوقعة في اكثر من مناسبة.

وحول ما تردّد من وشوشات عن طلب لبناني للدعم الأمني الدولي في هذا المجال، قلّلت مراجعُ أمنية من الأهمية التي يعتقدها البعض من مثل هذا الأمر، فالحديث المتنامي عن دعمٍ دوليٍّ امنيٍّ استثنائيّ لمواجهة الأخطار المحدقة بلبنان والمنطقة، ليس محدوداً بتفسير العبارات وما فيها من معانٍ جامدة، وكأننا نعيش في بلد عاجز عن حماية أبنائه والمقيمين على ارضه. ولفتت الى أنّ التعاون الدولي قائم وهو بلغ مرحلةً متقدّمة جداً، فالتقارير اللبنانية المتبادلة مع الأجهزة الأمنية في الدول الكبرى قد ترجمت إنجازات امنية باهرة في لبنان والخارج وليس في الأمر سرّ على الإطلاق.

وتضيف: «ليس كل ما أمكن تعطيله من أعمال إرهابية أو ما يمكن أن يؤدّي اليها، يجب أن يكون مُلكاً للرإي العام ففي مثل هذه العمليات من المعطيات التي تدفع الى التكتم عليها، خصوصاً أنّ لبنان والعالم يتعاطى مع شبكات ربما بُنيت أو تحولت «عنقودية» أو «متشعّبة» الى درجة وجب معها حظر نقل المعلومات أو كشفها، وقد أثبت بعض العمليات دقة وصوابية مثل هذه الإجراءات السرّية الضامنة للنتائج المتوخاة في التعاطي مع إرهاب «معولم» خرق الأجهزة الأمنية الكبرى في العالم الذي يعتقد بعضه أنه أنهى مظاهره أو فكّك كل شبكاته، فإذا بالوقائع تثبت عكس ذلك تماماً.

ولا تتردّد هذه المراجع الأمنية في التأكيد أنّ تجاهل المخاطر الأمنية أمرٌ غيرُ وارد على الإطلاق في حساباتها وأنّ العيون مفتوحة على كل شاردة وواردة من دون الادّعاء بالسيطرة المطلقة على أيِّ واقع يمكن أن ينشأ في أيّ لحظة أو أيّ منطقة.

ولكن في ظلّ التعاون القائم في ما بينها، والحدّ الأدنى المتوافر من التفاهمات السياسية كفيل بحصر النتائج المترتبة على أيّ عملية أمنية أو استخبارية إن نجح المخططون والمرتكبون بها. وحتى تلك اللحظة فإنّ القوى الأمنية تقوم بكل واجباتها وقدراتها للحدّ منها ومنعها إذا أمكن.