يعتقد البعض أن مصطلحات مثل "العالم العربي" أو "العرب"، التي كثيراً ما تستخدمها وسائل الإعلام خصوصاً الغربية حين تتناول الأحداث التي تمر بها دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، تتجاهل الاختلافات الثقافية والعرقية وحتى اللهجات العديدة التي تزخر بها هذه الدول. 

وقد بدأت بعض الأصوات تتحدث عن ضرورة التوقف عن استخدام المصطلحين، واستبدالهما بمصطلحات أعمق تبيّن حقيقة التنوع في تلك المنطقة من العالم.

أحدث تلك الأصوات خرج مؤخراً من خلال مقال رأي مطوّل نشرته صحيفة "الغارديان" البريطانية، للصحافية ناهدة بركات، التي اعتبرت أنه قد آن الأوان لإلغاء مصطلحات مثل "العرب" و "العالم العربي"، معتبرة أن وصف 381 مليون شخص من 22 دولة على أنهم "عرب" متجانسين، يُعدّ تضليلاً وبعيد عن الدقة.

بحسب المقال، فإن وسائل الإعلام لا تستخدم مصطلحات مشابهة حين تتحدث عن أجزاء أخرى من العالم، فمثلاً لا يتم الإشارة إلى دول مثل اسكتلندا وأيرلندا وأستراليا وكندا والولايات المتحدة الأمريكية باعتبارهم "العالم الإنكليزي" أو "الإنكليز"، بل يُستخدم غالباً مصطلح "العالم الناطق بالإنكليزية".
وبركات هي صحافية تعيش في أستراليا، وعملت سابقاً كمنتجة تنفيذية مع الجزيرة الإنكليزية وأ"ستراليا برودكاستنغ كوربوريشن"، وحاصلة على درجة الماجستير في الإعلام وتتحدث اللغة العربية بطلاقة.

محرر شؤون عربية؟
"مع اندلاع الصراعات في العديد من دول الشرق الأوسط ومنها سوريا وفلسطين واليمن والعراق، فإن اللغة التي نستخدمها في تغطية أخبار هذه المنطقة لا تعوق فهمنا للقضايا وحسب، بل إنها تسيء أيضاً إلى السياسات الاستراتيجية"، هكذا ترى بركات في مقالها.

تكتب الصحافية إن أغلب التغطيات الدولية في وسائل الإعلام حين تتناول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا فهي تظن أن المنطقة كلها عبارة عن مجموعة عرقية واحدة، بسبب أن الفكرة السائدة هي أنهم جميعاً يتحدثون اللغة العربية، لكن تلفت بركات النظر إلى أن هذه الفكرة تتجاهل إحصائية مهمة حديثة تظهر أن هناك 35 لهجة مستمدة من اللغة العربية يتم التحدث بها هناك.

وتستغرب الصحافية ما أشار إليه أحد الأشخاص في نقاش جمعها به للإيرانيين باعتبارهم من المتحدثين باللغة العربية، قبل أن تجيبه أن الشعب الإيراني يتحدث اللغة الفارسية.

تستغرب بركات أكثر من أن هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" لديها وظيفة "محرر شؤون عربية"، معتبرة أن في الأمر خطأً جسيماً يقع فيه أيضاً الكثير من الصحافيين العاملين في الشؤون الدولية في العديد من المؤسسات الإعلامية، بالإضافة إلى الكثير من السياسيين والمعلقين والأكاديميين أيضاً.

هؤلاء جميعهم يظنون أن مجرد تشارك تلك البلدان باللغة العربية فهذا كافي لجعلهم جميعاً "عالم عربي" متجانس ومتشابه، بينما كل من مصطلح "عرب" و "العالم العربي"، اللذان يستخدمان على نطاق واسع من قبل وسائل الإعلام لتغطية ما يحدث في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، يضعان 22 دولة يبلغ عدد سكانها 381 مليون نسمة، في سلة واحدة.

هل عولمة الأشياء هي ما جعل من المقبول التخلص من تفاصيل الهوية؟ تطرح بركات السؤال لتجيب أن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تتكون من العديد من الدول، ويتحدث كل منها لهجة عامية مختلفة، وتلك اللهجة تُعدّ مؤشراً واضحاً يظهر جنسية الشخص، فاللغة العربية في شمال أفريقيا غير مفهومة تقريباً للمتحدث باللغة العربية في بعض بلاد الشام مثل لبنان. 

وعلى ذكر لبنان تقول الصحافية إن العامية اللبنانية هي أقرب للفرنسية العربية على حد وصفها، بسبب التأثيرات الفرنسية الدائمة، موضحة أن اللهجة اللبنانية الأصلية هي الفينيقية أو الكنعانية، والتي كان يتحدث بها أيضاً الناس على سواحل سوريا والشمال الساحلي من فلسطين وقبرص. بينما كانت سوريا والعراق وإيران تشترك في الماضي في التحدث باللغة الآشورية. أما المصريون فقد كانوا يتكلمون اللغة القبطية، والقائمة تطول...

تتحدث بركات في مقالها عن كيف كانت اللهجات مختلفة بدرجة كبيرة في بلاد عدة زارتها في مهمات عمل، فمثلاً تقول إنها وجدت اختلافاً كبيراً في اللهجات بين دول مثل مصر والعراق وليبيا ودول أخرى، وليست اللهجات هي الاختلاف الوحيد الذي لاحظته بركات، فهناك اختلافات أكبر في الثقافات بين شعوب تلك البلاد.

وفي طفولتها عاشت بركات لسنوات في لبيبا، وحين التحقت بالعمل لحساب وسيلة إعلام أسترالية خلال فترة حرب الخليج كان مقر عملها السعودية، وقد وجدت اختلافات تصفها بالرهيبة بين البلدين خصوصاً في ما يتعلق بأسلوب الحياة.

من هم الشعوب المتحدثة بالعربية؟
بحسب عالم الأحياء اللبناني الشهير بيار زلوعة، الذي شارك في المشروع الجينوغرافي الذي قامت به الجمعية الجغرافية الوطنية، ونشر عدة دراسات استعانت بالحمض النووي للسكان الأصليين في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بهدف دراسة القواسم المشتركة بينهم, فإن الحمض النووي هو الأداة الأقوى التي لا تحدد فقط هوية أو ثقافة أو عرق البشر، بل إنها تكشف قصصاً عدة عن ماضيهم وأصلهم.

يعتبر زلوعة في اتصال مع بركات أن موضوع محاولة البحث عن مصطلحات تعبر عن ماهية الشرق الأوسط وشمال أفريقيا موضوع معقد للغاية ومشحون سياسياً، وهو يحتاج لشجاعة للتعامل مع الحقائق وعدم الإخلال بها.

ترى بركات إن عالم الأحياء على حق، فرحلة البحث عن معاني جديدة للتعبير عن ماهية الشرق الأوسط لا تقود غالباً إلى إجابات واضحة وصريحة. وتوضح أن كل محاولات وصف السكان والدول والمذاهب وحتى اللغات واللهجات التي تشكل منطقة الشرق الأوسط لا تبتعد عن تلك النظرة العرقية التي تمزج بين البلدان والأعراق والأديان والثقافات من ناحية، وبين اللغة من ناحية أخرى، حيث يُقال دائماً العالم العربي وليس العالم المتحدث باللغة العربية.

رحلة البحث عن أصل مصطلح عربي
يحيلنا مقال "الغارديان" إلى المجهود البحثي الذي قام به روبرت هويلاند، أستاذ علم الآثار والتاريخ في جامعة نيويورك، والذي قضى وقتاً طويلاً في سوريا واليمن قبل أن تبدأ هناك الحروب والصراعات، لينتقل بعدها إلى جامعة نيويورك في دبي. 

ويقول هويلاند إن الإشارة الأولى إلى مصطلح "عربي" كانت في العام 834 قبل الميلاد، وقد استُخدمت لوصف العرق الموجود في سوريا، وبالتحديد في الصحراء الواقعة ما بين تدمر والمملكة العربية السعودية.

وقبل "غزو" مناطق عدة من قبل "العرب" لنشر الإسلام، كانت هناك حضارات قائمة بالفعل. وبحسب بعض المصادر، فإن كلمة "عربي" تعبر عن "البدو"، لكن ترى مصادر أخرى أن الكلمة مشتقة من "النقي أو المختلط". 

ونشأت العربية من قبائل بدوية في المناطق الصحراوية في شبه الجزيرة العربية، وجاءت اللغة في الأصل من الكتابة الآرامية النبطية، وقد استُخدمت منذ العصر الكلاسيكي في القرن الرابع لتنتمي إلى مجموعة "اللغات السامية" ومنها اللغتين العبرية والآرامية.

وبحلول القرن الثامن الميلادي، بدأت اللغة العربية تنتشر في جميع أنحاء منطقة الشرق الأوسط، حيث اعتنق الكثير من الناس الإسلام، وكانوا مضطرين للصلاة باللغة العربية وهو الأمر الذي ساهم في انتشارها.

الحرب على الإرهاب... و"العربي"
بحسب مقال "الغارديان"، فإن الكثير من الأحداث التي مرت بها منطقة الشرق الأوسط في السنوات الأخيرة سببت بعض الحيرة، فقد كانت الصراعات في البداية لها شكل وطني، لكن سرعان ما اتخذت شكلاً دينياً، وهو الأمر الذي أدى إلى خلط بين مصطلحات مثل "العرب" و "المسلمين" لدى الغرب، وهذا الخلط زاد بعد انتشار مصطلح عالمي آخر هو "الحرب على الإرهاب".

يشرح هويلاند أن مصطلح "العرب"، استُخدم بقوة في القرن التاسع عشر، في محاولة للابتعاد عن الإمبراطورية العثمانية، بعد ذلك، تم تضمين هذا المصطلح مع بدء إنشاء جامعة الدول العربية، وكان للمملكة العربية السعودية مجهوداً كبيراً في دعم هذا المصطلح الذي يخدم فكرتها باعتبارها مهد الإسلام و "العربية"، وفي الخمسينيات والستينيات ساهم الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر في انتشار المصطلح ضمن مشروعه القومية العربية.

ووفقاً لهويلاند، فإن مصطلح "عرب" صار أقل شعبية في الشرق الأوسط، لأن القومية العربية صارت حركة "رجعيّة"، على حدّ تعبيره.

وفي العام الماضي، بدأ مكتب الإحصاء الأميركي منتدى يهدف لتطوير تصنيفات الجنسيات والأعراق في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، حيث دعا 40 خبيراً لمناقشة المصطلحات الحالية. ومن المتوقع أن تؤدي نتائج المنتدى إلى زيادة عدد تصنيفات الإثنيات والعرق والجنسيات في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

وقد يساعد هذا المنتدى في فهم تعقيدات المناطق. ففي أراضي الملايين من الناطقين بالعربية، ليس كل من يعيش هناك يحمل اسم علي أو عبد الله، وليس فقط سني أو شيعي إذ يتكون الإسلام من عدد كبير من الفروع، وتخرج من تلك الفروع فروع أخرى، إضافة إلى وجود عدد غير قليل من غير المسلمين... وهكذا "ليس صحيحاً أن كل من يعيش في هذه المنطقة عربي، أو يريد أن يُشار إليه كعربي"، بحسب هويلاند.