أثارت التحالفات الانتخابية المتناقضة التي عقدها التيار الوطني الحر في كل المناطق اللبنانية، الكثير من علامات الاستفهام والأسئلة في الأوساط السياسية والإعلامية اللبنانية، وأدت هذه التحالفات إلى التشكيك بمصداقية المشروع السياسية المستقبلي الذي يطرحه التيار، والى البحث عن الأهداف التي تقف وراء السعي للجمع بين التيار ومعظم القوى السياسية والحزبية في الدوائر الانتخابية والتي كان يخوض معها صراعاً سياسياً أو حزبياً.
فما الأسباب التي أدت بالتيار الوطني إلى إقامة مثل هذه التحالفات في مختلف الدوائر الانتخابية؟ وما هو المشروع السياسي المستقبلي الذي يطرحه التيار في مرحلة ما بعد الانتخابات؟ وهل صحيح أن معركة رئاسة الجمهورية وتشكيل أوسع كتلة نيابية هما الهدف الأساسي وراء هذه التحالفات المتناقضة؟
أجواء التيار الوطني
بدايةً، ما هي الأسباب التي أدت بالتيار الوطني الحر إلى إقامة تحالفات انتخابية مع قوى سياسية متنوعة في مختلف الدوائر الانتخابية؟
وقبل الاجابة عن هذا السؤال، لا بدّ من إعطاء نماذج مختصرة عن تحالفات التيار في بعض الدوائر:
1- في بيروت الثانية تحالف التيار مع (حزب الله) وحركة أمل وجمعية المشاريع (الأحباش).
2- في بعبدا مع حركة أمل والحزب الديمقراطي.
3- في صيدا مع الجماعة الإسلامية والدكتور عبد الرحمن البزري.
4- في الجنوب الثانية (صور - الزهراني) مع المهندس رياض الأسعد في مواجهة حركة أمل والحزب.
5- في الجنوب الثالثة (مرجعيون - حاصبيا، النبطية - بنت جبيل) مع الشخصيات المستقلة ضد لائحة الحزب والحركة.
6- في عكار تحالف مع الجماعة الإسلامية.
7- في الكورة - بشري - زغرتا - البترون مع ميشال معوض وبدعم من تيار المستقبل.
8- في البقاع الغربي دعم النائب السابق إيلي الفرزلي المتحالف مع حركة أمل والحزب وعبد الرحيم مراد وفيصل الداود.
9- في الشوف - عاليه تحالف مع الحزب الديمقراطي اللبناني واللواء علي الحاج والنائب السابق زاهر الخطيب في مواجهة الحزب التقدمي الاشتراكي - تيار المستقبل - والقوات.
حول هذه التحالفات المتناقضة يقول مصدر قيادي في التيار الوطني الحر: «إن تحالفاتنا الانتخابية اقتضتها الحسابات الانتخابية في كل دائرة على حده، فالهدف الأساسي للتحالفات تحصيل الحاصل الانتخابي وإيصال أكبر كتلة نيابية الى البرلمان المقبل، بغضّ النظر عن مدى التقارب أو التباعد السياسي مع القوى الأخرى».
ويعتبر المصدر «ان هذا التنوع في التحالفات يؤكد قدرة التيار على التواصل مع جميع القوى الحزبية والسياسية، وان تحالفاته الأساسية (سواء مع الحزب أو تيار المستقبل أو القوات اللبنانية) لا تمنعه من اتخاذ خيارات انتخابية مناطقية قد تتناقض أحياناً مع المواقف السياسية».
ولا ينفي المصدر «ان يكون وراء هذه التحالفات تشكيل كتلة نيابية واسعة تدعم العهد الحالي برئاسة العماد ميشال عون وتشكل قوة سياسية ونيابية فاعلة في المرحلة المقبلة».
ورغم الانتقادات القاسية التي يوجهها المصدر القيادي لقانون الانتخابات الحالي والذي أدى إلى صراعات داخل الكتل واللوائح، فإنه يعتبر «ان أهمية هذا القانون انه سمح للناخب ان يكون له دور مؤثر في الانتخابات الحالية، وان المرشح اليوم أصبح بحاجة للاقتراب أكثر من الناخبين والحرص على التواصل معهم والاستماع لآرائهم وملاحظاتهم، وهذا القانون يحدِّد بشكل دقيق حجم القوى السياسية والحزبية في كل المناطق من خلال اعتماد النسبية التي تساهم في تطوير الواقع الانتخابي مستقبلاً».
أي مشروع مستقبلي؟
لكن ماذا عن المشروع السياسي المستقبلي للتيار الوطني الحر؟ وكيف ستكون تحالفاته السياسية والحزبية؟ وماذا عن العلاقة مع الحزب وحركة أمل وتيار المستقبل وبقية القوى الحزبية؟
يؤكد المصدر القيادي في التيار الوطني الحر «ان المشروع السياسي الأساسي للتيار في المرحلة المقبلة يتركز على تعزيز دور الدولة اللبنانية ومحاربة الفساد وتحقيق الاصلاح الشامل ودعم موقع رئاسة الجمهورية».
ولا ينفي المصدر «اهتمام التيار بالمطالبة بحقوق المسيحيين في الدولة في هذه المرحلة، لأن الواقع القائم اليوم هو واقع طائفي، وأن المطالبة بحقوق المسيحيين لا يتناقض مع الشعارات الوطنية التي يرفعها التيار».
وحول العلاقة مع (حزب الله) يؤكد المصدر «أن هذا التحالف قائم ومستمر حتى لو برزت بعض التباينات والخلافات أحياناً، وإن تبني الحزب للمعركة ضد الفساد سيساعد في ايجاد مساحات مشتركة بين الفريقين، لكن علينا ان نراقب كيف سينعكس ذلك على تحالفات الحزب ومواقفه».
ويتحدث المصدر بوضوح عن وجود تباين وخلافات مع حركة أمل والرئيس نبيه بري في بعض المواقف، ويشير الى أن معركة رئاسة المجلس النيابي لم تحسم حالياً، وان الموقف من ترشيح الرئيس نبيه بري لرئاسة المجلس سيتخذ بعد اجراء الانتخابات وكل الاحتمالات قائمة.
وحول العلاقة مع «تيار المستقبل»، يشير المصدر الى «أن التقارب الذي حصل من خلال التسوية التي تمت بين الرئيس العماد ميشال عون والرئيس سعد الحريري والتي أدت إلى الانتخابات الرئاسية وتشكيل الحكومة، لا يزال قائماً، وهناك نقاط مشتركة عديدة بين الفريقين، ما قد يؤدي الى مزيد من التقارب في المرحلة المقبلة، ولا سيما من أجل تعزيز الاستقرار الداخلي والحصول على دعم إقليمي دولي للبنان».
ويوضح المصدر أنه «بعد الانتخابات الرئاسية ووصول العماد ميشال عون الى رئاسة الجمهورية، دخلنا في مرحلة جديدة في لبنان، ونحن منفتحون على جميع القوى السياسية والحزبية، وما يهمنا في المرحلة المقبلة تعزيز الوضع الداخلي اللبناني والعمل لبناء الدولة وإبعاد لبنان عن صراعات المنطقة، وليس لنا مصلحة حالياً بفتح صراع حول العلاقة مع سوريا بانتظار حسم الأمور هناك».
هذه الأجواء التي يتحدث عنها المصدر القيادي في التيار الوطني الحر تؤكد أننا سنكون في المرحلة المقبلة أمام أداء جديد للتيار وان خياراته السياسية ستكون مفتوحة على كل الاحتمالات وان ما بعد الانتخابات ليس بالضرورة أن يكون مثل ما قبل الانتخابات.
فهل يحقق التيار مشروعه السياسي الجديد أم يصطدم بالواقع اللبناني الداخلي والتطورات المتسارعة في المنطقة؟}