عانت عاصمة لبنان الثانية شتى أنواع الحرمان، وعاينت عن قرب إهمالا ممنهجا من قبل المجالس البلدية المتعاقبة على المدينة. بعد عقود من محاصصة القوى السياسية لكل مجلس بلدي في طرابلس، انتفض الشماليون على هؤلاء في الانتخابات البلدية الماضية، وظنوا أنهم بتمردهم اختاروا من هم أقرب إلى معاناتهم اليومية ولقمة عيشهم. انتخبوا مجلساً تسيطر عليه أكثرية تبنّى فوزها وزير العدل السابق أشرف ريفي، وإذا بهم يجدون أن لعنة الفشل تلاحق سلطاتهم المحلية وأنهم انتقلوا بخيارهم الجديد إلى "الأسوأ".

لم يقدم اتحاد بلديات الفيحاء الذي يترأسه رئيس بلدية طرابلس نفسه أحمد قمر الدين، المحسوب على ريفي، نموذجاً أفضل للعمل البلدي الطرابلسي، بل تراكم الفشل المعتّق حتى فاحت منه روائح أشدّ ضرراً، وتعاطى الاتحاد، على مدى عامين، بشهادة مصادر محلية، بلامبالاة مع أزمات المدينة التي بدأت تتحول تدريجياً إلى كوارث تهدد راحة المواطن الطرابلسي وتنغّص عليه عيشه الكريم.

ومن أبرز الأزمات التي تحولت إلى كوارث في طرابلس جبل النفايات الشهير، إذ لم يكن خبر انهيار جزء من حائط دعمه يوم أمس مفاجئاً للطرابلسيين. سنواتٌ مرّت على وصول هذا المكب إلى قدرته الاستيعابية القصوى، وعلى غزو الروائح والغازات السامة لأنفاس الشماليين.

تروي رئيسة لجنة متابعة مشاريع طرابلس الصحافية ناريمان الشمعة لـ"ليبانون ديبايت" قصة جبل النفايات الذي أنشئ في الحرب على أنه مكباً مؤقتاً وإذا بعمره يتجاوز 39 سنة.

تم انشاء مكب طرابلس بشكل عشوائي مؤقت عام 1979. وفي العام 1999 تم تأهيله وإدارته عن طريق مجلس الإنماء والإعمار وتعاقد مع شركة "بادكو" لإدارة المكب. واستحدثوا يومها مصافي للعصارة الناتجة من النفايات وفلاتر لتسرب الغازات، إلا أنها لم تعمل إلا بنسبة 30 في المئة. في العام 2003 تجاوز المكب قدرته الاستيعابية القصوى وكان يفترض أن يتم إغلاقه، إلا أنهم قاموا بتوسيعه ودعم جدرانه. وفي العام 2013 توقفت هذه المصافي والفلاتر لأن الجبل عاد وزاد ارتفاعه عن الحد المطلوب، ولم يتم تطوير الفلاتر والمصافي وجدران الدعم لتتناسب مع الارتفاع الجديد.

يتجاوز ارتفاع المكب اليوم عن 43 متراً، ويصل إليه يومياً 450 طن من النفايات المنزلية، الطبية والصناعية من بلديات الفيحاء الأربعة (طرابلس، المينا، البداوي والقلمون).

وتلفت الشمعة إلى أن لجنة متابعة مشاريع طرابلس قرعت جرس الانذار على مسامع المعنيين مراراً، وطالبت منذ 3 سنوات تدعيم الجدران كخطة طارئة وتشغيل المصافي والفلاتر. وقدمت الحلول البيئية البديلة كمعمل معالجة متكامل للنفايات، لكن لم يتم التجاوب لا من البلدية السابقة ولا الحالية على اعتبار أن بلدية طرابلس هي رئيسة الاتحاد نفسها.

وبعد الضغط والتحركات التي قامت بها الجمعية، قرر مجلس الوزراء توسيع المكب وإيقاف رمي النفايات في الجبل الحالي خوفا من انهياره أو انفجار غازاته كونه منذ العام 2013 لم يتم سحب الغازات منه، على أن يتم استحداث مكب جديد مجاور للقديم على قطعة أرض صغيرة بين الجبل ومرفأ طرابلس، وإنشاء سنسول بمساحة 15 ألف متر لردم النفايات فيه. وهو الحل المرفوض بيئياً وصحياً، لأنه يخلق أزمة جديدة عوضاً من إيجاد حل للكارثة البيئية الموجودة.

على من تقع المسؤولية؟ تقول الشمعة وهي مرشحة عن طرابلس على لائحة كلنا وطني، "تقع في المقام الأول على اتحاد بلديات الفيحاء لأنه المعني الأول والموجود على الأرض ويدير الملف، تليه كل من وزارتي البيئة والتنمية الإدارية ورئاسة الوزراء ومجلس الإنماء والإعمار الذي يجدد العقود مع شركة لافاجيت (تجمع النفايات) وبادكو (فرز وادارة المكب) من دون أي محاسبة على التقصير وإهمال تنفيذ دفاتر الشروط.

تحذر الشمعة من تعاظم المخاطر المتعددة بسبب جبل النفايات، والتي تبدأ بتسرب العصارة الناتجة عن النفايات إلى البحر والمياه الجوفية وتهدد الثروة السمكية، وبالغازات المتسربة التي تهدد صحة الطرابلسيين، ولا تنتهي بالانهيارات التي بدأت تظهر في جدران المكب، وإذا كان الانهيار باتجاه البحر سينتشر تلوث مخيف للبحر مع تعطيل لعمل المرفأ المجاور له.

أما المطلوب اليوم هو "تدعيم الجدران بشكل طارئ، والمباشرة بإنشاء معمل معالجة متكامل للنفايات يكون بعيدا عن أماكن السكن". وترفض اللجنة المحارق التي يسوق لها بعض السياسيين في طرابلس بكلفة 470 مليون، كونها حل أشد خطورة على الأهالي. إضافةً إلى أن الكلفة مبالغ بها، وتطالب بمعالجة بيئية مستدامة سبق وعرضتها اللجنة على المعنيين ولم يتجاوبوا معها وهي بكلفة لا تتجاوز 60 مليون، ويمكن أن تتم عبر نظام BOT أو الشركات المساهمة.