إغراء أهالي البصرة بانتقاء رئيس وزراء من محافظتهم، والمالكي يتحول من السعي إلى ترؤس الحكومة إلى الحكم من وراء ستار
 

يعوّل ائتلاف دولة القانون بقيادة رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي على القاعدة الانتخابية الشيعية الواسعة بمحافظة البصرة، لمنافسة رئيس الوزراء الحالي حيدر العبادي الذي تظهره استطلاعات الرأي أوفر حظّا للفوز بانتخابات مايو القادم، والحصول بالتالي على ولاية ثانية على رأس الحكومة.

ويلعب الائتلاف، لأجل ذلك، ورقة “مظلومية البصرة”، من خلال رفعه شعارا غير مألوف في العملية السياسية، وهو أن يكون رئيس الوزراء القادم من المحافظة الثرية اقتصاديا والمحرومة اجتماعيا.

وتعتمد موازنة العراق المالية، سنويا، على نفط البصرة، لتوفير التخصيصات اللاّزمة. وتنتج حقول نفط البصرة أكثر من 4 ملايين برميل يوميا، يصدّر معظمها.

ومع ذلك، تسجل هذه المحافظة، التي يغلب المذهب الشيعي الإثني عشري على سكانها، معدلات فقر عالية، وتواجه نقصا كبيرا في الاحتياجات الأساسية للعيش، كالماء الصالح للشرب والكهرباء.

وبسبب وقوعها ضمن المجال الجغرافي للخليج العربي، ترتفع درجات الحرارة والرطوبة فيها صيفا، بمعدلات كبيرة ما يحول التيار الكهربائي إلى إحدى الضروريات للحفاظ على الحياة.

ومع أن نهري دجلة والفرات يلتقيان في البصرة، ليصبا في شط العرب، إلا أن المحافظة تواجه مشاكل كبيرة في تأمين المياه الصالحة للشرب بسبب تسرب المياه المالحة القادمة من الخليج عبر شط العرب، لذلك تعتمد على محطات تحلية صغيرة.

وخلال الدورتين الانتخابيتين السابقتين للبرلمان، حصد ائتلاف دولة القانون، بزعامة المالكي، أغلبية المقاعد التي تمثل البصرة، في البرلمان العراقي، فيما استحوذ على منصب المحافظ فيها طيلة أربع سنوات، قبل أن يخسره للمجلس الأعلى الإسلامي، الذي خسره بدوره للمؤتمر الوطني.

ومع ذلك لم يفلح ائتلاف دولة القانون في تحسين الوضع المعيشي لسكان عاصمة العراق الاقتصادية، وربما يدفع ثمن ذلك في هذه الانتخابات، إذا صحت توقعات التصويت العقابي الذي قد تتعرض له كتلة المالكي.

ويقود رئيس قائمة المالكي في البصرة، خلف عبدالصمد، محافظ المدينة الأسبق، حملة تستهدف “تحويل البصرة إلى صاحبة القرار التنفيذي في البلاد على أعلى المستويات”. ويرى عبدالصمد أن هذا لن يتحقق من دون أن يكون رئيس الوزراء القادم من البصرة حصرا، لذلك يرشح نفسه علنا لمنصب رئيس الوزراء خلفا للعبادي.

ووفق المتابعين للشأن العراقي، فإنّ نوري المالكي مازال يتخذ من “المظلومية الشيعية” شعارا له ولكتلته حين يتحدث عن ضرورة أن يكون الحكم شيعيا خالصا بذريعة الغالبية السياسية، بالرغم من كل الوقائع والمعطيات التي تؤكد أن الأحزاب الشيعية وفي مقدمتها حزب الدعوة الذي يتزعمه المالكي نفسه قد انفردت عبر الاثنتي عشرة سنة الماضية بالسلطة ومن خلالها بالثروة.

 
ائتلاف دولة القانون، بزعامة رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي، يسعى إلى التأثير على حظوظ رئيس الوزراء الحالي حيدر العبادي، في الاستمرار لولاية ثانية عبر طرح بديل له يتمثل في إحدى الشخصيات التي تنحدر من محافظة البصرة التي تعيش أوضاعا اجتماعية لا تتناسب مع وزنها الاقتصادي والسياسي، ما يجعل من وصول أحد أبنائها إلى أهم منصب تنفيذي في البلاد شعارا انتخابيا مغريا لأهلها.

ويرى ناشط مدني من البصرة “أن المالكي اليائس من إمكانية استعادة  منصب رئيس الوزراء، قرر كما يبدو أن يستبدل واجهة حزبه في الحكم من خلال الانتقال المؤقت من ‘مظلومية الشيعة’ إلى ‘مظلومية البصرة’ وذلك من أجل كسب أصوات المحرومين في المدينة الثرية التي شهدت عبر سنوات حكم حزب الدعوة إهمالا شاملا في الخدمات الأساسية في مقابل تضخم حالات الفساد المالي والإداري التي كان هروب المحافظ السابق إلى إيران واحدا من تجلياتها الصارخة”.

ويضيف الناشط ذاته “يبدو أنّ المالكي الذي ارتبط اسمه بشبهات الفساد الذي حول العراق إلى دولة فاشلة لا يزال يملك أوراقا يلعب بها من خلال الداخل الشيعي ضد خصومه السياسيين من المذهب نفسه أو حتى من داخل حزبه. وهو ما يرضي غروره في أن يكون عرّابا للبيت السياسي الشيعي. فمحاولته استمالة سكان المدينة الجنوبية التي سبق لها أن شهدت تظاهرات احتجاج على سوء الخدمات الأساسية، من خلال إيهامهم بأن قيادة العراق ستكون من حصتهم، تكشف سعيه للعب دور خطير في المرحلة المقبلة وذلك لأن تلك القيادة ستمتثل لأوامره قبل أن تلتفت إلى البصرة”.

ويشرح ذات الناشط “أنّ الولاء بالنسبة للأحزاب الدينية هو للحزب ولقيادته أولا وأخيرا. وما مرشح المالكي لمنصب رئيس الوزراء والذي شهدت البصرة أثناء شغله منصب المحافظ فيها أسوأ مراحلها، إلاّ واحد من التابعين للمالكي، المنفذين لمشروعه في تبديد ثروة العراق بما يضمن هيمنة حزب الدعوة على مفاصل الحياة والمجتمع”، مضيفا “المالكي بترشيحه عبدالصمد ينتقل من السعي إلى ترؤس الوزراء مجددا إلى الحكم من وراء ستار”.

ويقول عبدالصمد إن تغيير الوضع السيء لسكان البصرة “يستلزم وجود أحد أبنائها على رأس السلطة في بغداد”. ولدى سؤاله عن إمكانية الاستفادة من منصب المحافظ الذي شغله 4 سنوات، لتحقيق هذا المطلب، قال إن منصب المحافظ مقيد بما يقرره رئيس الوزراء.

لكن عبدالصمد تجنب التعليق على سؤال عن أسباب الفشل في تحسين وضع البصرة خلال ولاية المالكي الأولى، التي حصلت فيها كتلته على منصب المحافظ في هذه المدينة.

ويقول خصوم دولة القانون في البصرة، إنّ “ائتلاف المالكي يفتش عن سبب جديد يحمل السكان على التصويت لمرشحيه، في مواجهة شبح خسارة الأغلبية في هذه المدينة”.

ووفقا لمراقبين محليين، فإنّ الحملة التي يقودها ائتلاف المالكي لاختيار إحدى الشخصيات المتحدرة من البصرة لمنصب رئيس الوزراء القادم، ربما تلاقي صدى لدى سكان المدينة، الذين لم يحصدوا من الثروة النفطية سوى التلوث البيئي وبعض الأمراض التي تنتشر في المدن النفطية.

وللبصرة 25 نائبا في البرلمان العراقي المكون من 329 مقعدا، وهو ثالث أعلى معدل بين المحافظات العراقية بعد بغداد ونينوى.ويقول مراقبون إن رئيس الوزراء المقبل سيحدده حجم التأييد الذي يحصل عليه في بغداد والبصرة. ويضيف هؤلاء أن القائمة الشيعية التي ستحل في المقدمة ببغداد والبصرة، ستكون فرصتها أكبر في ترشيح رئيس الوزراء القادم.

وتتنافس 3 قوائم شيعية على المركز الأول في محافظات الوسط والجنوب، هي النصر بزعامة العبادي والفتح بزعامة هادي العامري، وسائرون المدعومة من رجل الدين مقتدى الصدر، مع فارق تمنحه استطلاعات الرأي للقائمة الأولى، فيما تتنافس قائمتان على المركز الثاني في الأوساط الشيعية، الأولى بزعامة المالكي، والثانية بزعامة عمار الحكيم.

وحتى الآن، يبدو العبادي هو المرشح الأوفر حظا لمنصب رئيس الوزراء في الدورة القادمة، التي تتحدد ملامحها في الاقتراع العام المقرر في 12 مايو، لكن مراقبين يقولون إن الشهور القليلة التي تلي الانتخابات في العراق، عادة ما تكون نتائج مفاوضاتها أهم من نتائج الانتخابات نفسها، نظرا للتأثيرات الخارجية على القرار السياسي في العراق.