كيف طاب للوزير باسيل أن يعدل من غرب إلى نشر! ومن المغترب إلى المنتشر؟
 

أولاً: جذر الكلمة غرب 

من عجائب وغرائب هذا الزمن الخائب، نزول الوزير جبران باسيل ميدان البحث اللغوي، لا بل هو يتعمّد الغوص في فقه اللغة العربية، وآخر صيحاته استبدال تسمية "المغترب" ب"المنتشر" .
أمّا كلمة "المغترب"، فقد اصطُلح على استعمالها للّبنانيّين الذين قصدوا بلاد الغرب بدءاً من مطالع القرن العشرين، حيث يمّموا وجههم شطر الأميركيّتين الجنوبية والشمالية هرباً من الجوع والأوبئة والحروب.
وبالعودة إلى كُتُب اللغة بلسان أهلها فإنّ: المُغرّب (بكسر الرّاء) هو الذي يأخذ في ناحية المغرب، والغربُ والمغرب بمعنىً واحد، وهو أقصى ما تنتهي إليه الشمس في الصيف، والغروب: غيوب الشمس، وغربت الشمس تغرب غروباً: أي غابت في المغرب، وكذلك غرب النجم (بالتّحريك)، وغرّب القوم وأغربوا: أتوا الغرب، ويُقال: غرّب في الأرض وأغرب إذا أمعن فيها، قال ذو الرّمة: 
أدنى تقاذُفه التّغريبُ والخببُ.
ونوىً غربة: بعيدة، وغربةُ النّوى: بُعدُها ، ويقال: دارهم غربةٌ: نائية، وفي حديث عمر ابن الخطاب (ر) أنّه قال لرجلٍ قدم عليه من بعض الأطراف: هل من مُغرّبةٍ خبر؟ أي هل من خبرٍ جديد جاء من بلدٍ بعيد؟
والغُربةُ والغُرب: النزوح عن الوطن والاغتراب، قال المُتلمّس: 
ألا أبلغا أفناء سعد بن مالكٍ 
رسالة من قد صار في الغُرب جانبُه.
ولعمري وعمركم، أليس الغرب هو مقصد شعوب أهل الأرض قاطبةً، وبالأخصّ منهم أهل الشرق من أدناه إلى أقصاه، وما رأي معالي الوزير في هجرة اللبنانيين إبّان زمن "سفر برلك" والمجاعة والحروب، هل كان يمكن لهم أن يذهبوا مُشرّقين أو مُغرّبين؟ يا سبحان الله، أم أنّ الذين أطلقوا لفظ "الاغتراب" كانوا في ضلالٍ من أمرهم، ولم يدركوا فطانة وزير الخارجية "والمنتشرين" ، الذي تنبّه إلى ضرورة إبدال المغترب بالمنتشر .

ثانياً: جذر الكلمة: نشر...

إقرأ أيضًا: تحالف التيار الوطني الحرّ والجماعة الإسلامية..علب الليل بإزاء الشريعة السمحاء

قال مُرقّش: النّشر: الريح الطيّبة، إلاّ أنّ أبا عبيد عمّ المعنى فقال: النّشر : الريح من غير أن يُقيّدها بطيبٍ أو نتن، وذهب أبو الدُّقيش للقول بأنّ النّشر: ريح فم المرأة وأنفها وأعطافها بعد النوم، وفي الحديث: خرج معاوية ونشرُهُ أمامه، يعني ريح المسك.
ونشر الله الميت ينشُرهُ نشراً ونُشوراً: أحياه؛ قال الأعشى:
حتى يقول الناسُ ممّا رأوا: 
يا عجباً للميّت الناشر.
وفي التنزيل العزيز: وانظُر إلى العظام كيف ننشرُها، وقال الزّجاج: يقال نشرهم الله أي بعثهم كما قال الله تعالى: وإليه النُّشور ، وفي حديث الدعاء: لك المحيا والممات وإليك النُّشور.
ويقال: إبلٌ نشرى: إذا انتشر فيها الجرب، وقد نشر البعير (بكسر الشين) إذا جرب، وعن الجوهري: النّشر خلاف الطّي، نشر الثوب نشراً: بسطه، وتنشّر الشيء أو انتشر :انبسط، وانتشر النهار : طال وامتدّ، وانتشر الخبر انذاع.
والنّشر: (بفتح الشين) أن تنتشر الغنم بالليل وترعى، وانتشرت الإبل والغنم: تفرّقت عن غرّةٍ من راعيها.
وجاءنا ناشراً أذُنيه أي جاء طامعاً، ونشر الماء (بالتحريك) :ما انتشر منه وتطاير عند الوضوء، وانتشر الرجلُ: أنعظ، وانتشر ذكرُه إذا قام.
وهكذا لم يُفدنا فقه لغة "نشر" سوى انتشار الريح الطيبة أو النّتنة، أو انتشار الإبل والغنم في غفلةٍ من صاحبها، وانتشار النهار وغيره، وانتشار جرب الإبل، وانتشار ماء الوضوء، وانتشار ذكر الرجل، ولم يُستعمل الفعل "نشر" على الغالب إلاّ لغير العاقل، وعندما استعمل للعاقل بقولهم: جاء ناشراً أذنيه ، أي جاء طامعاً، والنشر على كلّ حال للاذنين وليست لصاحبهما.
فكيف طاب للوزير باسيل أن يعدل من غرب إلى نشر! ومن المغترب إلى المنتشر، والذي لا يفيد نزوحاً عن وطن، أو مقصداً للعيش والارتزاق ، أو قصداً إلى جهةٍ محدّدة، في حين يستغرق معنى الاغتراب قصد البلاد الغربية التي قصدها اللبنانيون وسائر أهل المشرق من أدناه إلى أقصاه كما سبق وقلنا.
عسى أن يلقى مشروع الوزير باسيل بتغيير إسم وزارة الخارجية والمغتربين ما لاقاه اقتراحه بإعطاء الجنسية لأبناء المرأة اللبنانية باستثناء المتزوجات من دول الجوار، في تمييزٍ عنصري غير مسبوق.
سبحان الله تعالى، واليه النشور، أمام إبداعات وزير الخارجية التي لا تنضب ولا تبور.