لبى ممثلو 51 دولة والبنك وصندوق النقد الدوليان ومنظمات وهيئات مالية عربية وعالمية، دعوة فرنسا إلى مؤتمر «سيدر» الذي عقد أمس في باريس لدعم عملية النهوض الاقتصادي في لبنان وتلبية حاجته إلى استثمارات مهمة لإعادة تأهيل بناه التحتية التي لم يعد في إمكانها تأمين حاجات سكانه من الخدمات العامة الضرورية في ظروف جيدة. وشكلت كثافة الحضور في المؤتمر «استنفاراً» دولياً وإقليمياً تضامناً معه للمضي في سياسة النأي بالنفس وتحييده - كما قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في الجلسة الختامية - عن الصراعات والنزاعات في المنطقة وحمايته من الحروب المشتعلة من حوله.

وكان المؤتمر عقد جلسة صباحية ماراثونية افتتحها وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان ورئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري الذي التقى على هامشها عدداً من المشاركين، وجلسة أخرى بعد الظهر اختُتمت بكلمتين، مختصرة للحريري شكر فيها لماكرون وجميع الذين شاركوا في المؤتمر تقديمهم قروضاً مُيسّرة وهبات للبنان، ومطولةٍ لماكرون الذي حمّلها رسالة سياسية بامتياز تحت عنوان أن المجتمع الدولي كان وسيبقى إلى جانب لبنان، خصوصاً في الظروف العصيبة التي تمر بها المنطقة.

وأعلن الرئيس الفرنسي أن المشاركين تعهدوا توفير أكثر من 11 بليون دولار قروضاً ميسّرة وهبات للبنان مشروطة بالمضي في تحقيق الإصلاحات. وعلمت «الحياة» أنها توزعت على الشكل الآتي: البنك الدولي (4 بلايين دولار على خمس سنوات)، البنك الأوروبي لإعادة التعمير (101 بليون يورو على 6 سنوات)، صندوق التنمية السعودي (بليون دولار)، البنك الأوروبي للاستثمار (800 مليون يورو)، البنك الإسلامي للتنمية (750 مليون دولار على مدى 5 سنوات)، فرنسا (550 مليون يورو على 4 سنوات)، الصندوق الكويتي (500 مليون دولار على 5 سنوات)، قطر (500 مليون دولار على 5 سنوات)، هولندا (بين 200 و300 مليون يورو)، تركيا (200 مليون دولار)، الاتحاد الأوروبي (150 مليون يورو)، ألمانيا (120 مليون يورو) والولايات المتحدة (115 مليون دولار).

واستهل ماكرون كلمته قائلاً: «في هذا الوقت الذي يمر به لبنان في مرحلة صعبة مع تدفق اللاجئين السوريين وانعدام الرؤية الواضحة لما يحصل في المنطقة المحيطة، يبقى علينا أن نحافظ على هذا البلد وسلميته». واعتبر أن «التعبئة الواسعة تُظهر التزام المجتمع الدولي بقوةٍ دعم هذا البلد».

وأكد أن الخيار الذي أخذه لبنان في السنوات الماضية هو أن يمضي قدماً في طريقه «وهو مسار فريد ترسمونه، مسار الاستقرار والمضي نحو انتخابات حرة ونزيهة للحفاظ على الإطار الديموقراطي الذي يتميز به لبنان». وأشاد بالتزامه النأي بالنفس عن صراعات المنطقة، و «هو ما أكده الرئيس الحريري، والرئيس ميشال عون لدى زيارته باريس».

وإذ شكر لجميع المساهمين في المؤتمر والتعهدات، أشار إلى التزام الحكومة اللبنانية إصلاحات عديدة. وتطرق إلى الحاجات الأساسية للبنان، مثل الوصول إلى المياه والكهرباء، وإدارة النفايات والعيش في بيئة نظيفة وسليمة، وكذلك تطوير رأس المال البشري، إضافة إلى صعوبات أخرى ناتجة من تداعيات الحرب السورية، واستضافة أكثر من مليون ونصف مليون لاجئ سوري تبدو عودتهم صعبة بسبب استمرار المعارك في سورية، «كما أن هجمات الأسد في الغوطة خصوصاً، أدت إلى مزيد من الدمار والنزوح واللجوء، ومن مسؤولية كل الجهات الدولية أن تساعد في حل المسألة، ولبنان على مواجهة التحديات لإعادة الاستقرار».

وتحدث عن التعهدات وحصة فرنسا منها، آملاً بأن تلتزم الجهات المانحة الوعود، والحكومة اللبنانية الإصلاحات المطلوبة، لا سيما بعد الانتخابات النيابية.

وإذ اعتبر أنه لا يجوز اعتبار المؤتمر مرحلة ختامية بل نقطة انطلاق، خاطب الحريري قائلاً: «هي انطلاقة جديدة لبلدكم يرافقكم فيها المجتمع الدولي بأسره، ومن الضروري أن نتولى عملية متابعة بدءاً من غد، ولن يكون هذا المؤتمر مفيداً إلا إذا ترافق بإرادتكم القوية وشجاعة رئيسكم والمؤسسات القوية المطلوبة في لبنان، إضافة إلى المتابعة المطلوبة بعد تشكيل الحكومة الجديدة بسرعة كما نأمل بعد الانتخابات... هذا المجهود الجماعي لن يكون مفيداً إلا إذا ترافق مع تحولاتٍ وتغيرات عميقة».

وذكر أن التعبئة التي تُعتبر سابقة ونجاح المؤتمر يرتبان مسؤولية على الحكومة اللبنانية «للحفاظ على هذا الكنز الذي يشكله لبنان للمنطقة، بما يمثله»، مؤكداً استمرار العمل لحماية هذا النموذج كي تكون «هذه التعددية والقدرة على بناء السلم نموذجاً يحتذى». ورأى أن «هيمنة ديانة على أخرى أو عرق على آخر، أمر يقوّض التاريخ».