فوضى بالمجلس النيابي: جريصاتي رفع علامة النصر.. وهذا ما فعله الحريري!
 

قد تكون الفوضى التشريعية العنوانَ الأنسب للجلسة الماراتونية أمس، بعدما اختلط الحابل بالنابل لإقرار الموازنة، وشهدت جلسة المجلس النيابي سجالات حادة ومناقشات معترضة لبنود كثيرة تضمّنتها، فأجبرت الحكومة على تعليق بعض بنودها، كلّ ذلك في يوم واحد عقِدت فيه جلسة عامة لإقرار موازنة 2018 فأجبَرت الحكومة على معاودة الاستماع الى الأزمات المعقّدة والعالقة في البلد، والقبول بأنصاف الحلول لها لضرورة التصديق والتوقيع على إقرار الموازنة قبل السفر.
الرابح الأكبر ليلة أمس كان القضاء اللبناني الذي تمثّلَ في حضورٍ لافت لرئيس مجلس القضاء الاعلى جان فهد والقاضي سمير حمود اللذين كانا حاضرين للجلسة المسائية وبَدوَا مرتاحين لنتائجها بخاصة بعد إقرار المادتين اللتين أنصَفتا مطالبَ الجسم القضائي، الاولى القاضية بإعطائهم 3 درجات اضافية للقضاة وإعادة العمل بالمادة المتعلقة بزيادة العطلة القضائية مدة شهر ونصف الشهر.

هذا الإقرار أيّده الرئيس نبيه بري قائلاً إنه ليس قضية درجات بل مساواة، معتبراً انّ اضراب القضاء يعني اضراباً للعدالة، الامر الذي لا نحب ان نسمعَه. الّا انّ هذا الاقرار لم يرُق لرئيس الحكومة سعد الحريري الذي وافقَ بعد اخذِ رأيه انّما على مضض دون تعليق ورفعَ يديه متمتماً في سرّه، في اشارةٍ الى ان لا حول له ولا قوة في هذا الموضوع، لتشعر بأنه وافق عليه مرغماً.

وذلك عكس وزير العدل سليم جريصاتي الذي اشار بإصبعه الى اعلى في علامةِ نصر، موجّهاً بصرَه الى رئيس مجلس القضاء الاعلى ضاحكاً ومباركاً، إلّا انّ القاضي حمود وفهد بدوَا مهتمَّين لمعرفة رأي الرئيس سعد الحريري الذي كان مبهَماً، واللذين أبديا اهتماماً في الاستفسار من الصحافيين عن جواب الحريري لبري الذي كان خافتاً!

الامر لم يكن نفسَه بالنسبة للمعلمين الذين مثّلهم نقيب المعلمين رودولف عبود الذي بدا ممتعضاً من جميع الاقتراحات التي عرَضها الحاضرون لحلّ معضلة معلّمي القطاع الخاص، ولم يرُق له اقتراح الرئيس فؤاد السنيورة الذي أراد فصلَ العامِ عن الخاص، ولا اقتراح أبي رميا ولا حتى اقتراح وزير التربية بالتجزئة.

والذي زاد من امتعاض عبود تعليق الحريري الذي قال إنّ المشكلة هي في المفعول الرجعي وتقسيماته وليس فقط في كيفية التجزئة لتختلفوا على الصيغة، فكان الحريري حاسماً في رفض البتّ بقضية المفعول الرجعي، وقال جازماً بأنّ الدولة غير مستعدّة لتحمّلِ اعباءِ هذا الامر ونقطة على السطر.

عكس ردّةِ فِعله بالنسبة للمواد المتعلقة بالقضاء. فطلب بري من وزير التربية الانسحابَ من الجلسة ومناقشة موضوع التجزئة مع نقيب المعلمين ليتقرّر بعده إرجاء البحث في الموضوع وإبقاؤه معلقاً.

في سياق مناقشة الموازنة، كان للصحافيين دردشة مع رئيس مجلس القضاء الاعلى الذي قال انّه لا خوف على الاشراف القضائي على سير الانتخابات وهو حاصلٌ وخارج عن ايّ مساومة وقائمٌ بمعزل عن ايّ تطورات من ايّ نوع كانت. فليس القضاء مَن يعطّل سيرةَ الحياة الديموقراطية ومَن ينزع مِن المواطن حقّه الدستوري في اختيار ممثّليه، مشدّداً على انّ محاربة الفساد في الادارة لا تتوقف على مبادرة من القضاء بل تنتظر من النواب إقرارَ التعديلات التشريعية اللازمة التي تسمح للقاضي بملاحقة الفاسدين

توتّر الحريري – الجميّل

التوتّر بين النائب سامي الجميّل والحريري تصاعد في الجلسة المسائية، ولم يخفّف من وطأته محاولة النائب الجميّل تلطيفَ الاجواء، حينما توجّه الى الحريري بالقول: «يا دولة الرئيس سعد اعرف انّك لا تحبّني ولكن عليك ان تسمعَني «بالنسبة للمادة 50 المتعلّقة بمنحِ كلّ عربي واجنبي يشتري وحدة سكنية في لبنان إقامةً دائمة، ستخلق إشكالية».

فعاجَله الحريري بانّه يستمع الى الاشياء المفيدة، فأردفَ الجميَل: «واجباتك ان تستمع الى جميع النواب وليس فقط الى الذين تحبّهم». المادة هذه اخَذت جدلاً واسعا في وقتٍ دافع فيه الحريري عن استثناء السوري او غيره لانّ المسألة في الاقامة.

وعلّقَ وزير الداخلية انّ السوري المقتدر لو كان يريد الاقامة يأخذها سنوياً، وهو لو أراد الشراء لاشترى سابقاً.

فانتهى الجدل بالاتفاق على اضافة عبارة ربط الاقامة بالملكية ومتى سَقطت الملكية عند الوفاة تسقط الاقامة.

ومن التعديلات، موافقة المجلس على إصدار جوازات سفر للمغتربين للانتخابات النيابية على ان تكون صلاحيته لمدة شهرين فقط. كما اقرّ المجلس دوام العمل في القطاع العام 34 ساعة وتركَ للحكومة تحديدها وتوزيعها».

كما شُطبت المادة المتعلقة بالاجازة لمؤسسة الكهرباء زيادة التعرفة وتعديل المادة المتعلقة بجوازات السفر لجهة الجوازات المخصصة للانتخابات للمغتربين وتحديدها لمدة شهرين فقط وبمبلغ الف ليرة.

وبَرز خلاف حاد حول المادة 151 المتعلقة بحق القضاة المتدربين الى الادارة العامة العودة الى القضاء والاستفادة من صندوق التعاضد، فتمّت اعادته الى الحكومة وشطبت المواد المتعلقة بتعيين مدير عام لرئاسة الجمهورية، الامانة العامة لمجلس النواب، ومدير عام رئاسة مجلس الوزراء.

المجلس يقر الموازنة

وفي السياق، أقرّ مجلس النواب الموازنة بتصويت 50 نائباً وامتناع 12 نائباً، وهم بالإضافة إلى نواب «حزب الله»، النواب سامي الجميل، سيرج طورسركيسيان، خالد الضاهر، غسان مخيبر ونبيل نقولا.

بعد التصويت على الموازنة، بدأت جلسة جديدة لإقرار مشاريع القوانين، فأقر خلالها مشاريع واتفاقيات دولية تتعلق بمؤتمر باريس، منها مشاريع اتفاقيات للمياه، وعلّق العمل بالمادة 84 من قانون الانتخابات لجهة عدم استخدام البطاقة الممغنطة لمرة واحدة.

وللمفارقة شارَك نواب كثُر في جلسة إقرار الموازنة والتي تُعتبر ختامية في مسيرتهم، كالسنيورة وعبد اللطيف الزين وشانت جنجنيان وطوني ابو خاطر وسيرج طور سركيسيان وعاطف مجدلاني واحمد فتفت وجمال الجرّاح وعمّار حوري ونبيل نقولا ونوّار الساحلي.

الفوضى التشريعية التي سادت نهاية الجلسة تحدّثت عن خللٍ في اكتمال النصاب، إلّا أنّ التصويت تمّ وما كتِب قد كتِب.