زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر يزداد ابتعادا عن رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي بسبب عودته تدريجيا إلى مظلة الأحزاب الموالية لإيران
 

لم تستقرّ خارطة الحراك السياسي المتعلّق بالانتخابات العراقية العامة المقررة لشهر مايو القادم على حال، رغم تجاوز مسألة الانتظام في كتل وائتلافات وطي ملف تقديم الترشّحات، وبدء الاستعدادات لخوض الحملة الانتخابية.

وتشبه التبدلات في وجهات “المتحالفين” ضمنيا أو بشكل معلن عملية خلط وإعادة توزيع لأوراق اللّعب، في لعبة سياسية عراقية بلا ضوابط ولا أخلاقيات، ما عدا ضوابط المصلحة وتحصيل المناصب السياسية وما وراءها من مكاسب مادية.

وتوشك الأطراف الرئيسية المتقدّمة للانتخابات على نسف تفاهمات قديمة نشأت سابقا بين بعضها البعض، لتُحل التنافس بدلا محلّ التوافق، ما يعقّد عملية التنبؤ بأي نتائج واضحة لهذا الاقتراع الحاسم.

ومن بين التفاهمات القديمة، التي تتعرض للاهتزاز حاليا، التحالف غير المعلن بين رئيس الوزراء حيدر العبادي، وزعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، إذ توحي جملة من المؤشرات بتحول في مسار هذه العلاقة.

وبحسب مراقبين، فإن الكتلة التصويتية التي تدعم كلا الرجلين يقع جلها في الدائرة الشيعية.

وكان الصدر من أبرز الشخصيات الشيعية التي دعمت العبادي في ولايته الأولى، في مواجهة الأحزاب الشيعية المتشددة الموالية لإيران، معلنا عن استعداده لدعمه بهدف الحصول على ولاية ثانية بجملة شروط، منها نزع سلاح الميليشيات ومطاردة الفاسدين، في إشارة إلى الفصائل المسلحة الموالية لإيران وزعيم ائتلاف دولة القانون نوري المالكي.

وبدأ التصدع في علاقة العبادي مع الصدر، مع فتح الثاني خط مفاوضات مع الممثلين السياسيين لقوات الحشد الشعبي، من أجل تشكيل تحالف عريض لخوض الانتخابات العامة.

وشكلت هذه المفاوضات صدمة كبيرة للصدر، لأنها شملت معظم خصومه في الأوساط الشيعية.

ووصف الصدر التحالف المؤقت الذي نتج عن هذه المفاوضات بـ”البغيض والطائفي”، الذي يمهد لعودة “الفاسدين”.

وقال الصدر “أعزي شعبي المجاهد الصابر لما آلت إليه الاتفاقات السياسية البغيضة من تخندقات طائفية مقيتة لتمهّد عودة الفاسدين مرة أخرى وقد عرض علينا الالتحاق وقد رفضنا ذلك رفضا قاطعا”.

الصدر يلقي بظلال من الشك على علاقته برئيس الوزراء حيدر العبادي عندما طالب بإشراف أممي على الانتخابات المقبلة

وأضاف “أعلن أنني لن أدعم سوى القوائم العابرة للمحاصصة، والتي يكون أفرادها من التكنوقراط المستقلين، بعيدا عن التحزب والتخندق الطائفي لتقوية الدولة العراقية الجديدة”.

ومع أن تحالف العبادي والحشد لم يصمد سوى ساعات، إذ سرعان ما انهار بسبب الضجة التي أثارها، فإن علاقات رئيس الوزراء العراقي بالصدر لم تعد إلى ما كانت عليه.

وأثير الجدل بشأن مستقبل هذه العلاقة مجددا، مع تصريحات أطلقها قيادي بارز في ائتلاف العبادي تؤكد وجود اتفاق مع ائتلاف دولة القانون بزعامة المالكي، لتشكيل كتلة برلمانية بعد الانتخابات المقبلة، والعودة إلى المطالبة بمنصب رئيس الوزراء.

وقال علي العلاق، وهو نائب في البرلمان العراقي، عن حزب الدعوة، جناح العبادي، إن ممثلين عن رئيس الوزراء والمالكي وقعوا اتفاقا لتشكيل كتلة واحدة تضم نواب ائتلاف النصر ونواب دولة القانون، في البرلمان الذي سيتشكل بعد انتخابات مايو، بهدف الحصول على منصب رئيس الوزراء مجددا. وبحسب مراقبين، فقد أغضبت تصريحات العلاق الصدر، إذ أن المالكي هو خصمه السياسي اللدود.

وعاد الصدر ليلقي بظلال من الشك على علاقته بالعبادي، عندما طالب بإشراف أممي على الانتخابات المقبلة، داعيا الأحزاب المتنافسة إلى الضغط بهدف تحقيق هذا المطلب.

ومن شأن مثل هذه المطالب أن تسبب حرجا بالغا للعبادي، وتدفع نحو التشكيك في نتائج الانتخابات التي ستُجرى تحت ولايته، بصفته المسؤول التنفيذي الأعلى في البلاد.

وبحسب مراقبين، فإن إعلان الصدر هذا، لم يكن ليصدر، لو كانت علاقته مع العبادي على ما يرام.

وبحسب مصادر مطلعة، فإن العبادي لا يملك ممثلا قويا داخل مفوضية الانتخابات، على غرار كتلة المالكي أو تيار عمار الحكيم مثلا، لكن أكبر منصب في المفوضية، مازال تحت سيطرة حزب الدعوة الإسلامية، الذي ينتمي إليه رئيس الوزراء.

ويقول مصدر مقرب من مكتب الصدر، إن “ثقة زعيم التيار الصدري برئيس الوزراء حيدر العبادي تهتز”، مشيرا إلى أن “فرص تحالفهما عقب الانتخابات تتقلص”.

وبالنسبة للصدرين، فإن “حزب الدعوة ما زال موحدا، بالرغم من الخلاف الظاهر داخله بين المالكي والعبادي”.

ويضيف المصدر، أن “العبادي لا يستطيع أن يغادر التزاماته في حزب الدعوة، فهذا قد يضعه في مواجهة مفتوحة مع إيران”.

ويوضح المصدر، أن “الصدر استشعر هذا مبكرا، لذلك لم يفتح أي خط تفاوض مع العبادي لتشكيل تحالف انتخابي، بل ذهب إلى تشكيل تحالف مع السنّة والمدنيين”.

وبحسب المصدر، فإن الصدر يرى أن العبادي يسير على الطريق الذي قاد المالكي إلى عزلة سياسية، برغم فوزه في انتخابات سنة 2014.

ويشير إلى أن فرضية “العبادي سيربح الانتخابات ويخسر التحالفات”، ربما تتجسد. لكنه لا يستبعد أن يكون الصدر يسعى لتنبيه العبادي مبكرا. ويقول إن “زعيم التيار الصدري لا يمانع في توسيع التعاون مع العبادي في حال صدرت مؤشرات عن نيته مواصلة العمل مستقلا عن النفوذ الإيراني”.