إنه زمن الانتخابات، زمنٌ كثر فيه العابثون بالعيش المشترك حتى بين أبناء الطائفة الواحدة، زمنٌ غيّر قوانين السياسة جمع الخصوم وفرّق الحلفاء وعلت فيه الخطابات الانتخابية المتفق عليها سلفاً لشدّ عصب قاعدةٍ ملت وجوه ممثليها ونفرت من تمثيلهم عليها طوال سنوات على خشبة كذبة كبيرة تُسمى وطن.

تقصّد الحزب التقدمي الاشتراكي رفع اللافتات الانتخابية في عاليه في اليومين الماضيين، موجهاً بها رسائل إنمائية إلى وزير المهجرين رئيس الحزب الديمقراطي اللبناني طلال ارسلان في عقر داره تتضمن تفخيماً لدور الاشتراكي في المنطقة وتصويباً على الديمقراطي.

ولم تتوقف حملة الاشتراكي على الديمقراطي عند هذا الحد، بل وصلت لحّد اتهام النائب الاشتراكي أكرم شهيب لإرسلان بأنه "يدفع المستحقات للناس على أساس الاستنسابية والزيارات الانتخابية، وليس على قاعدة حقوقهم المشروعة".

ما استدعى رداً يضاهيه عنفاً من مدير الإعلام في الحزب الديمقراطي اللبناني جاد حيدر، الذي قال في بيان له "في كلّ مرّة نسعى فيها لتحقيق جزء من مصالح الناس في الجبل، نلقى ردود فعل فورية تكون لنا بالمرصاد. ففي السياسة طبعاً لا نستغرب هذا الأمر، خصوصاً إن أتى من جهة لم تعتمد يوماً سوى مذلة الناس وتجويعهم لتطويعهم نهجاً لها، من جهة لم تعرف يوماً إلا نهج الكيدية والتشاوف والهيمنة والاحتكار، من جهة لم تأتي لهذا الجبل سوى بالشعارات والأضاليل والتبعية العمياء".

تؤكد مصادر مقربة من الاشتراكي لـ"ليبانون ديبايت" أن النائب وليد جنبلاط الذي اعتاد ترك مقعد درزي شاغر في عاليه لارسلان "لأنه لا يريد إقفال بيت الأخير" أصابته حالة تململ من تصرفات ارسلان الأخيرة. ارسلان الذي كان يحصل على مقعده بمنّة بيك المختارة "تكبّر على حامي مقعده طوال السنوات الماضية في هذه الانتخابات، ورفض الانضمام للائحته، محتمياً بالقانون الجديد، والأكثر منذ لك، أنه توجه للتحالف مع خصوم جنبلاط وفي مقدمتهم التيار الوطني الحر".

هذا الأمر دعا جنبلاط إلى إعطاء الضوء الأخضر لشهيب لتصعيد الخطاب ودكّ حصون الديمقراطي الانتخابية، وسط تساؤلات حول مدى تطوُّر الخلاف بين الحزبين ليصل الى إعادة ترشيح جنبلاط لدرزي آخر على المقعد الذي اعتاد تركه لارسلان.

تجيب مصادر محلية مستقلة مطلعة على أجواء المشاحنات بين الطرفين، "لا يمكن أن يُقدم جنبلاط على مثل هذه الخطوة، فكل ما يحصل في الداخل ليس أكثر من كونه شد للعصب الانتخابي إعلامياً، والهدف منه التضييق على المعارضة الدرزية وحصر المنافسة بين جنبلاط وارسلان حتى لا يستغل الناس النقمة وتذهب أصواتهم باتجاه لائحة الوزير السابق وئام وهاب".

وتؤكد المصادر لـ"ليبانون ديبايت" أن ما يشهده الجبل من مشاحنات بين الاشتراكي والديمقراطي يتم بالاتفاق بين الطرفين، وما هو إلا تبادل أدوار اقتضته الحالة الانتخابية، بدليل المقعد الذي تركه جنبلاط شاغراً لحليفه المبطن في الجبل ارسلان.

ورأت أن ما يحصل هو من آثار لائحة وهاب على المشهد، إذ إن إمكانية خرق وهاب للمقاعد الدرزية في الجبل خارج إطار الثنائية التقليدية هي التي سببت هذا الارباك.

وكشفت المصادر عن أن وهاب يتوجه للإعلان عن لائحته يوم الأحد المقبل، وهي تضم المعارضة الدرزية في الجبل، مثل مجموعات المجتمع المدني الذي له تاريخه في الجبل، بالإضافة لحزب سياسي آخر سيشكل انضمامه مفاجأة كبيرة ترفع معها حظوظ لائحة وهاب.

وتشير المصادر إلى أن الاشتراكي والديمقراطي يعيشان توجساً من اللوائح المنافسة على الرغم من تشتتها، ويحاولان التشويش داخل صفوف المجتمع المدني في الجبل عبر أشخاص يدّعون المدنية وهم أزلام لدى قوى أمر الواقع في الجبل.