كان المرض يعيش في داخلها من دون معرفتها، ينمو ببطء ويجعلها تفقد وزنها. لم تكن ماريا اسطنبوليان ابنة 8 سنوات آنذاك تعرف ماذا يجري في جسدها الى ان أًغمي عليها في المدرسة ودخلت في غيبوبة لـ6 ايام . أكد الأطباء لأهلها انه عندما تستيقظ من الغيبوبة ستفقد ماريا بصرها او كليتها او سيحصل تضرر في العصب بعد ان تبين ان معدل السكري عندها تخطى 800 والمخزون وصل الى الـ14. هكذا اكتشفت العائلة ان ماريا مصابة بالسكري – النوع الأول الذي هدد حياتها من دون علم أحد. تقبلت ماريا مرحلياً العلاج قبل ان ترفض مرضها وتتحداه، ما أدى الى انتكاسها صحياً قبل ان تتخذ قراراً في التعايش معه، في هذه السطور تروي ماريا التي أصبحت في الثلاثين من عمرها قصتها مع "السكري".

تستعيد ماريا فصول حياتها، يوم كانت طفلة صغيرة لا تعرف شيئاً عن مرض السكري ومضاعفاته الخطيرة. تقول "كنت اعاني من الرشح، وبعد زيارة الطبيب طلب مني اجراء فحوصات دم وبول، بعد ان رأى اني فقدت وزناً كبيراً. وفي انتظار صدور النتائج المخبرية التي تحتاج الى يومين، أُغمي عليّ في المدرسة وجرى نقلي الى المستشفى. توجهت والدتي الى المختبر وجاءت بالنتجية، بينما كنتُ انا في غيبوبة نتيجة وضعي الصحي. وبعد اجراء الفحوصات ومقارنتها صدرت النتيجة ، لقد كنتُ مصابة بالسكري من دون علمي او علم عائلتي. لم يكن احد من افراد العائلة يعاني من السكري، كانت فحوصات الدم سيئة ، لقد تخطى معدل السكري الـ"800" (المعدل الطبيعي 100-110) والمخزون وصل الى 14 (المعدل الطبيعي 6.5)".

في الغيبوبة ...خطر داهم

6 ايام قبعت ماريا في الغيبوبة، لم يخفِ الأطباء على اهلها انها ستفقد بصرها او كليتها او يتضرر العصب نتيجة المضاعفات الخطيرة للسكري. وأخيراً استيقظت وكُتب لها ان تعيش حياة طبيعيا وتنجو من كل الأضرار. تؤكد ماريا انها "لم يطلعني الطبيب على سوء حالتي والعلاج الطويل، اعطاني علاجاً لستة اشهر، لم اكن اعرف ان السكري مرض مزمن وعلي التعايش معه. ذهبتُ الى المنزل وإلتزمتُ بالعلاج وحقن الأنسولين والفحص اليومي للسكري واتباع نظام صحي خاص، وكلي أمل أني سأتخلص من كل ذلك بعد مرور الشهور الستة. كنتُ اجد اهلي يشترون الحقن من دون توقف، فوجئت من ذلك، لم أكن افهم تصرفاتهم الى حين مراجعة الطبيب للكشف على حالتي والتأكد من مدى تجاوبي مع العلاج".

لا تنسى ماريا تلك اللحظات، كان يوماً صعباً عليها، وبسببه كادت تخسر حياتها من جديد. لم يكن سهلا عليها ان تسمع عن مرضها بهذه الطريقة القاسية. تقول "لم يكن الطبيب على طبيعته، بادرته بسؤال ببراءة "لماذا ما زلتُ احقن نفسي رغم مرور 6 اشهر"، وجاء رده القاسي الذي حطمني "من قال لك اصلاً انك ستتوقفين عن فعل ذلك، هذه الحقن سترافقك مدى حياتك".

انتكاسة ...وردة فعل عكسية

كلماته حفرت عميقاً في داخلي، لم يخبرني حقيقة مرضي والعلاج الطويل عندما رأني للمرة الاولى. لقد كذب عليّ، واليوم يواجهني بحقيقة مغايرة ويقلب حياتي رأسا على عقب. نتيجة ذلك، انتفضتُ على المرض، رفضته ورفضت العلاج، وبدأت اكذب على أهلي وآكل الشوكولا، ما ادى الى تدهور حالتي الصحية ودخولي الى المستشفى. وصل السكري الى 550، وتمّ تحويلي الى طبيبة متخصصة في الغدد الصماء والسكري التي صارحتني عن مرضي وكل ما يجب ان اعرفه عن العلاج والنظام الغذائي والرياضة... كان علي ان اتعايش مع مرضي والاهتمام بنفسي لأنني وحدي سأدفع ثمن اهمال العلاج واتحمل مخاطر السكري الخطيرة.

هكذا قررت ماريا ان تتحدى مرضها المزمن كما يصفونه، وتُثبت لنفسها وللمجتمع انها قادرة على أن تتعايش معه وتحقق احلامها وتعيش كبقية الناس. تابعت علاجها وحرصت عليه حرصاً كبيرا، لم تغفل أي شيء، وهي اليوم انهت دراستها وتعمل اليوم كمسؤولة عن مركز السكري في أحد المستشفيات.

مثال يحتذى به

تشير ماريا الى انها اليوم "هدفها ان تساند مرضى السكري وتقف الى جانب الأطفال وتحثهم على مواجهة مرضهم وتقبل وضعهم ومتابعة حياتهم كما فعلت. انا اليوم بمثابة مثال امامهم، وآمل ألا يكون المرض نهاية العالم وانه بالنسبة للناس، بل يمكن التعايش معه والانتصار عليه بالعزيمة والإرادة".

وتشدد على انها "لم تنس الطبيب الاول الذي كان سبب صدمتها ودخولها المستشفى: وقالت: "وبعد 5 سنوات على علاجي التقيت به في احد المستشفيات وواجهتُه بالحقيقة وتمنيت عليه ان لا يكذب على أطفال آخرين ويصارحهم لأنه قد يتسبب بوفاتهم أو بخسارتهم بسبب ردة فعلهم العكسية".