الحرب بين التيار الوطني الحر وحركة أمل لا تزال مستمرة ولا أحد من متابعي العلاقة بينهما يتوقع إنتهاءها قريباً. علماً أنها مثل النار تخبو حيناً وتبقى جمراً والعاً لكن تحت الرماد وتتأجّج حيناً آخر، فيعلو لهيبها ويتسبّب دخانها الرمادي بل الأسود بالإحباط للبنانيين، ويثير في قلوبهم الخوف على المستقبل. والمقصود هنا مستقبل لبنان وليس تيار المستقبل الذي ورثه الرئيس سعد الحريري عن والده الشهيد، رغم الدور غير المباشر الذي يلعبه “حلفه” غير المعلن ولكن القائم مع رئيس الأول الوزير جبران باسيل. ولم يتمكن حتى الآن شريك “أمل” وحليف “التيار” حزب الله من إنهاء الخلاف رغم إمكاناته التي يعترف بها الجميع. وصار هدفه في هذه المرحلة وقف التصعيد حرصاً منه على تلافي الأضرار المهمة والكبيرة التي لا بد أن يلحقها بالمعركة الانتخابية التي يخوض وتحديداً به.

وحقّق هنا نجاحات محدودة جداً اذ استمرت “السنكفة” كما كان يقول أطفال لبنان قبل عقود أي القطيعة وعدم الكلام بين الفريقين أي الحليف وحليف الحليف، رغم اضطرار وزرائهما الى الاجتماع في جلسات مجلس الوزراء أو في اللجان الوزارية. لكن التراشق بينهما غير المؤدي الآن الى معركة جديدة مستمر وإن بتقطع عبر وسائل التواصل الاجتماعي. من يتحمل مسؤولية إبقاء الخلاف وتأجيجه في رأي حزب الله؟

المسؤول الأول في رأيه، واستناداً الى متابعين من قرب حركته وخصوصاً من أجل رأب الصدع بل وقف الحرب بين شريكه في “الثنائية الشيعية” وحليفه المسيحي، هو “التيار العوني” أو بالأحرى رئيسه الوزير باسيل. فهو لا يترك مناسبة من دون استخدامها للنيل من الرئيس نبيه بري ولتوجيه الانتقادات له ولنواب “حركته” ووزرائهم. ولا يقصّر هؤلاء في الرد خصوصاً وزيرهم في حقيبة المال. لكن مشاركتهم في السجال أو التصعيد أو المعركة أو الحرب كانت معظم الأحيان رداً على تهم أو استفزاز.

طبعاً خاف “الحزب” واللبنانيون من تجدّد الحرب وليس المعركة فقط بين شريكه وحليفه بعدما اطلعوا عبر وسيلة إعلامية مهمة على محضر لقاء جمع باسيل وعدداً قليلاً من شخصيات “الانتشار” في أوستراليا، وكان زارها لترؤس مؤتمر اغترابي حاشد، لكن “الحزب” أكد استناداً الى متابعين أنفسهم أن “المحضر” غير صحيح. ويفسّر ذلك امتناع حركة أمل سواء بشخص رئيسها ورئيس مجلس النواب نبيه بري أو بشخص وزير المال علي حسن خليل أو غيره من الكادرات والنواب عن الرد. لكن الشكّاكين كثيرون وهم يعتبرون أن مسؤولي “الحزب” بذلوا جهوداً كبيرة لمنع اندلاع الحرب الآن. واعتُبر هذا الأمر عن حقّ ومن قبل المحايدين رداً على اخفاق مؤتمر أبيدجان الاغترابي، وعلى “منع باسيل عملياً من الاشتراك فيه وترؤسه.

لكن السؤال الذي يجب طرحه هنا يتجاوز المسؤولية عن حرب الحليف وحليف الحليف التي صارت تشبه “حرب داحس والغبراء”، وهو: هل من دوافع جديدة لاستمرارها؟ وجواب “الحزب” عنه استناداً الى المتابعين أنفسهم ينقسم الى شقين.
الأول رغبة باسيل في مبادرة حزب الله الى “تمكينه” وتياره من الحصول على أكبر عدد ممكن من المقاعد النيابية المسيحية أو عليها كلها اذا كان ذلك متاحاً، وإن أدى ذلك الى إلغاء التمثيل المسيحي لأحزاب وشخصيات وتيارات حليفة له، بعضها قاتل معه ضد إسرائيل وبعضها الآخر قاتل معه في سوريا ولا يزال، وبعضها الثالث استمر متمسكاً بـ”الخط” الذي أسّسته سابقاً سوريا الراحل حافظ الأسد، والذي منعت إيران بواسطة حزب الله القضاء عليه بعد اضطرار دمشق الى سحب جيشها من لبنان تنفيذاً لقرار من مجلس الأمن.

فهو مثلاً يريد المقعد الكاثوليكي في دائرة بعلبك الهرمل الذي كان ومن زمان من حصة الحزب السوري القومي الاجتماعي، الذي تنازل عنه أخيراً لصديق له ولحزب الله ولقيادي كان بارزاً جداً في “الحركة الوطنية” أيام الحروب في لبنان هو الوزير والنائب السابق ألبير منصور.

وهو يريد أيضاً ضرب حلفاء “أمل” والرئيس بري المسيحيين في دائرتي صيدا – جزين وصور – الزهراني.

ويريد ثالثاً محاربة حليف خطه وعدوّه السياسي اللدود النائب سليمان فرنجيه في الدائرة المؤلفة من أقضية الكورة والبترون وبشرّي وزغرتا.

وهو يريد رابعاً من حزب الله إلغاء ترشيحه لرئيس منطقة جبيل فيه وهو من عائلة زعيتر كي يرشح شيعياً موالياً له مكانه، ويعرف في الوقت نفسه أن أصوات الشيعة في جبيل وتحديداً في الدائرة الانتخابية التي تضمها وكسروان هي التي ترجّح كفّة المرشحين واللوائح.

طبعاً رفض المسؤولون في “الحزب” ذلك وسيتمسكون بموقفهم. وبدلاً من أن يعتدل ويدرك أنه ليس “الابن الوحيد” الذي أعطاه الله لهذا الحزب، وتالياً ليس مستحقاً كل الدلال الذي يريده، رغم أنه حصل منه على الكثير في الماضي أيام كان يظهر له وجهه الآخر الشرس في دفاعه عن المقاومة وفي العمل من أجل وحدة لبنان وبناء دولته العادلة والقوية، بدلاً من ذلك كله بادر الى انتقاد تمثيل جبيل نيابياً بشخص من خارجها (زعيتر)، وهو انتقاد شاركته إياه جهات أخرى في تلك الدائرة، بعضها شيعي ويجري إقناعه الآن بأن آل زعيتر ليسوا غرباء عن جبيل، وبأن المرشح منهم لتمثيلها هو منذ سنوات رئيس منطقتها في “الحزب”، والمسؤول الأول عن ماكينتها الانتخابية التي مكنت لائحة التيار الوطني الحر من الفوز كلها في انتخابات 2009، وبأنه يعرف القرى فيها والعائلات والأفراد. وفي هذا الموضوع استاء حزب الله من أمر أقدم عليه باسيل. ما هو؟