تكثر العواصم الغربية (بما فيها واشنطن) والعربية من الأسئلة حول التوقعات من الانتخابات النيابية في لبنان في 6 أيار (مايو) المقبل، من باب التأكد إذا كان «حزب الله» سيتمكن بفعل القانون الجديد، النسبي، من أن يحصد مع حلفائه أكثرية في السلطة التشريعية، بحيث يتكرس إلحاق لبنان بالمحور الإيرانين ويتحول نفوذ طهران من أمر واقع إلى واقع مشرّع شبيه بما حصل في العراق، حيث تغلغل «الحرس الثوري» في المؤسسات ونجح في تشريع تشكيلاته العسكرية في الدولة. وهي تشكيلات تخوض الانتخابات العراقية في 12 أيار.

مصدر القلق الغربي والعربي هو أن النسبية تسمح لحلفاء إيران باختراق مقاعد الأكثرية النيابية السابقة (قوى 14 آذار التي حصدت الأكثرية في استحقاقي 2005 و2009 بالنظام الأكثري)، وفي طوائف أخرى غير الطائفة الشيعية. في المقابل يصعب تلمس تغييرات جوهرية في المزاج السياسي والانتخابي اللبناني تسمح لخصوم المحور الإيراني بتحقيق نسبة اختراقات موازية في دوائر نفوذ هذا المحور. القانون الهجين والمركب والمعقد بتعقيدات التركيبة اللبنانية، والذي دمج بين النسبي والأكثري عن طريق «الصوت التفضيلي»، أبقى على العامل الطائفي والمناطقي والزبائني الضيق قائماً. وإذا حصلت تغييرات فهي طفيفة تحتاجها القوى المسيطرة في الطوائف من أجل تجديد «شبابها».

فالأكثرية التي كان حصدها خصوم النفوذ الإيراني السوري (قبل أن ترث طهران نفوذ دمشق)، لم تتمكن من الحكم بفعل استخدام السلاح في الداخل اللبناني. وهذا العامل ما زال قائماً في الحسابات وسيبقى قائماً بعد الانتخابات.

احتساب الأكثرية النيابية في هذه العواصم يقوم على اعتبار الكتلة المسيحية التي يمثلها رئيس الجمهورية ميشال عون إلى جانب كتلة «حزب الله» وحلفائه. وهي تعتبر أن الرئاسة اللبنانية انحازت إلى الحزب في خياراته الخارجية خلال السنة الأولى من العهد.

أثبتت التجارب أن الأكثرية التي يمكن لحلفاء طهران حصدها داخل السلطة بفعل السلاح، كما حصل عام 2011 حين نجح ضغط السلاح في قلب الموازين وإقامة حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، أنها غير قابلة لتحويل البلد إلى محمية إيرانية على الطريقة العراقية. حالت التوازنات التقليدية دون الانسياق وراء ما تبغيه طهران في المؤسسات. والعامل الأهم الذي ساهم في ذلك اندلاع الثورة السلمية والشعبية في سورية، والتي تحل ذكراها السابعة الخميس المقبل على مشهد مأسوي وتقسيمي. فطهران كانت على مشارف فقدان قاعدتها في المشرق بتهديد انتفاضة الشعب السوري لحكم حليفها الذي ارتكز إليه تمدد نفوذها.

قد يحتضن البرلمان الجديد قوة وازنة لأنصار المحور الإيراني، لكن اكتسابه الأكثرية مرتبط بالوجهة التي سيسلكها تيار الرئيس عون، إذا كان سيراجع أضرار انحيازه طوال المرحلة الماضية إلى «حزب الله». فإما أن يتكرس هذا التوصيف له، أو يتحول إلى موقع «بيضة القبان» في رسم صورة الأكثرية النيابية، إذا كانت التزاماته السابقة على انتخابه تحول دون مغادرته حلفه مع الحزب، فيتمايز عنه في المسائل الإقليمية.

لطالما ارتبط انتماء لبنان الإقليمي بموقع سورية. وفي الحال الراهنة لبلاد الشام يصعب تعديل موقع النفوذ الذي تحتله إيران في لبنان، من دون تغيير في موقعها في سورية بعد نجاحها في إبقاء الأسد. والاعتداد عشرات المرات بفوزه بالحرب بعد نجاح روسيا والقوات الإيرانية في هزم المعارضة تحت شعار محاربة «داعش» في غير منطقة، لا يلبث أن يتراجع بعد تحول سورية رقعة صراع روسي أميركي.

القلقون من انتخابات لبنان يتعاملون مع النتيجة المحتملة ويقفزون فوق السبب: المعادلة ما زالت لمصلحة إيران في سورية. فيكف لدول الغرب أن تعالج سبب قلق بعض عواصمه، فيما المجتمع الدولي برمته لا يستطيع إنقاذ ٤٠٠ ألف سوري من حملة الإبادة التي تتعرض لها الغوطة الشرقية؟

السؤال نفسه ينطبق على الدول العربية القلقة من وقوع لبنان في الحضن الإيراني نتيجة الانتخابات. فهي خرجت أو أُخرجت من سورية لمصلحة تقاسم روسيا وإيران النفوذ فيها مع أميركا، بمشاركة تركية. ولم يعد للدول العربية سوى ورقة إعادة الإعمار، ليكون لها دورها. وهذا دونه شرطها رحيل الأسد، ويعني أيضاً انتظار توافق أميركي- روسي على الحد من دور إيران.

ليس بإمكان لبنان سوى الانتظار وإدارة المرحلة بأقل الأضرار الآتية. وقد يتيح له عدم حصول أي فريق على الأكثرية النيابية الصافية ذلك، وإلا تعرض لأخطار عسكرية واقتصادية.