بعد الأحداث الأخيرة التي كادت تشعل حربًا جديدة بين إيران وإسرائيل، يلوح سؤال في الأفق إن كان الأميركيون قد بدأوا باستخدام اسرائيل كوسيلة للتصعيد ضد إيران في سوريا
 

يرى الإيرانيون أن جميع السيناريوهات المطروحة لتقاسم الكعكة أي النفوذ في سوريا لا توفيهم حقهم. ويصرحون بأنهم، وليس أحداً غيرهم، من منع النظام السوري من السقوط، بعدما كان على وشك الانهيار.

السيناريوهات المطروحة، وخريطة النفوذ الآخذة طريقها نحو التبلور والتشكيل، لا تمنح إيران والنظام سوى دمشق والقلمون وريفها، والسيطرة على مراكز المدن الرئيسية. وهذا لا يرضي طموحات الإيرانيين، لذلك يعمدون إلى سياسة التعطيل والإعاقة، ما يعني تعطيل وعرقلة جميع الاتفاقيات والتفاهمات العسكرية منها والسياسية. وهذا يفسر المحاولات المستميتة من طرف الإيرانيين للإبقاء على جذوة الصراع العسكري ملتهبة على جميع الجبهات، والضغط على الروس من أجل سد منافذ الحل السياسي، والاقتصار فقط على سيناريو الحسم العسكري.

هذا السيناريو الوحيد الذي يكسبهم الأولوية على غيرهم من القوى، بسبب تواجد مقاتليهم على الأرض. لكن المحاولات الإيرانية في الحسم العسكري وتثبيت مناطق النفوذ في سوريا بناء عليه، قوبلت بجدار صد أميركي من جهة، وبرود وعدم تجاوب، وقلة دعم من طرف الروس.

واضح أن استراتيجية إدارة ترامب في تحجيم الدور الإيراني عموما وفي سوريا على وجه الخصوص، قد أخذت طريقها إلى حيز التنفيذ . حيث تتجه الجهود الأميركية إلى محاصرة الوجود الإيراني في منطقة دمشق وما حولها، ومنع إيران و"حزب الله" من التمدد جنوبا نحو الحدود مع إسرائيل. ويتم ذلك بالتوازي مع إجلاء الروس للإيرانيين وإخراجهم من منطقة الساحل، باعتبارها منطقة نفوذ روسية. وحرص الروس أيضا على إبعاد الإيرانيين عن حلب، من خلال سيطرتهم على مركز المدينة، وعدم ممانعة التدخل العسكري التركي، في ريفها الشمالي والغربي، من خلال عمليتي درع الفرات وغصن الزيتون، رغم المعارضة الإيرانية الشديدة.

كما أنّ سيطرة الجيش التركي على ريف حلب الشمالي، وريف حلب الغربي، من أجل تأمين المدنيين، ضمن اتفاق خفض التصعيد الذي تم التوصل إليه في أستانة، وتموضع قوات الجيش التركي في مواقع حساسة، مثل تلة العيس الاستراتيجية، وفي سراقب بريف إدلب، سوف يمنح هذه القوات فرصة السيطرة والتحكم بطريق حلب دمشق الدولي، شريان الحياة بالنسبة للشمال السوري.

وعلى الصعيد السياسي، تسبب الاستخدام الروسي المزمن للفيتو، ضد جميع قرارات مجلس الأمن المتعلقة بالشأن السوري، بحالة من الاستعصاء السياسي العقيم. ومما يزيد الطين بلة، إصرار الروس على التفرد بالحل السياسي في سوريا على طريقتهم. مقابل ذلك يتبع الأميركيون سياسة الحياد السلبي الذي يعتمد تعطيل جميع مساعي ومبادرات الروس، بالطرق الدبلوماسية الناعمة، من خلال حرمانها من الشرعية الأممية الدولية، من دون التدخل المباشر، أو الدخول مع الروس في اشتباك دبلوماسي.

كما يمسك الأميركيون والأوروبيون بورقة إعادة الإعمار في سوريا، حيث لا قدرة مادية للروس على عملية إعادة إعمار سوريا. واعتماد الأميركيين على أسلوب المصارعة خارج الحلبة، سببه امتناعهم عن إعطاء الروس أي مكاسب أو تنازلات استراتيجية خارج سوريا. إذ يصر الروس على مقايضة حل الأزمة السورية، بالحصول على تنازلات من الأميركيين والناتو في الأزمة الأوكرانية، وأزمة الصواريخ الباليستية في أوربا، فضلا عن كسر العقوبات التي تفرضها أميركا ضد روسيا وغيرها من المسائل الاستراتيجية العالقة بين الطرفين.

كما أنّ ارتفاع حدة التوتر وتسخين الأجواء بين القوى المتنافسة في سوريا بدأ بهجوم "الدرونز" الشهير على قاعدة حميميم الروسية. ثم أعقبه إسقاط الطائرة الحربية الروسية، في ظروف لا يزال الغموض يعتريها من جميع جوانبها، ثم إسقاط الطائرة F16 الإسرائيلية في ظروف مريبة أيضا.

فهل تشهد الأيام المقبلة صراعا طرفاه، أميركا وإسرائيل من جهة، وروسيا وإيران في الجهة المقابلة؟ الجواب متعلق إلى حد كبير بقواعد الاشتباك المتفق عليها بين أطراف الصراع. حيث كانت تنص في المرحلة السابقة على منع وصول السلاح النوعي للأطراف السورية المتقاتلة مضادات الطيران، ومضادات الدروع النوعية وغيرها. فإن كان قد تم استخدام السلاح النوعي في إسقاط المقاتلات الروسية والإسرائيلية وغيرها، فهذا معناه ومؤداه تغيير لقواعد الاشتباك.