الاستثمار في ملف العداء لإسرائيل هو إحدى الأوراق القوية لدى إيران لتبرير نوازعها التوسعية في المنطقة العربية، وبالتالي فهي تحرص بشدة على بقائه قائما، في مقابل ذلك ترى أنه بإمكانها التعاطي بأكثر مرونة مع باقي حلفاء الولايات المتحدة ومن بينهم أكراد سوريا، علّ الرياح الإقليمية تقذفهم إليها
 

شهدت الساحتان السورية واللبنانية الثلاثاء خبرين لافتين القاسم المشترك بينهما الحشد الشعبي الذي يعدّ ذراع إيران القوية في العراق، ويعكس الخبران حجم المفارقات العجيبة في الصراع الدائر بين واشنطن وطهران.

في الخبر الأول يطل الأمين العام لحركة النجباء، أحد فصائل الحشد الشعبي، من بيروت معلنا استعداد قواته للقتال في “جبهة واحدة” مع حزب الله اللبناني (أداة إيران الرئيسية في المنطقة) في حال شنت إسرائيل حليفة واشنطن الوثيقة أي اعتداء ضد الحزب.

ويأتي هذا الإعلان في سياق تفاعلات حادث إسقاط الطائرة الإسرائيلية أف 16 بمضادات جوية سورية السبت الماضي وما تلاها من غارات إسرائيلية استهدفت مواقع لحزب الله والحرس الثوري، وسط تنامي المخاوف من إمكانية تمدد هذه الغارات الانتقائية إلى لبنان، على ضوء تهديدات المسؤولين الإسرائيليين.

وقال أكرم الكعبي، وهو ثاني قيادي من الحشد يزور لبنان في ظرف أشهر قليلة “سنقف مع حزب الله في أي هجوم إسرائيلي أو أي حراك إسرائيلي ضد هذا الحزب”.

وتقاتل حركة النجباء المدعومة عسكرياً من إيران إلى جانب النظام في سوريا. وينتشر المئات من مقاتليها حالياً على مختلف الجبهات في هذا البلد، حيث شاركوا مع مجموعات شيعية موالية لدمشق في معركة مدينة البوكمال (على الحدود مع العراق) آخر المدن التي كانت تحت سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا.

وأوضح الكعبي بعد زيارته ضريح القيادي العسكري في حزب الله عماد مغنية في الضاحية الجنوبية، “سنكون مع الحزب في صف واحد وجبهة واحدة كما كنا معه في العراق أو في سوريا”.

وفيما يوجه الكعبي تهديداته لإسرائيل، أعلن الحلف الذي ينتمي إليه (الحشد الشعبي) عن إنقاذ عناصر من حليف موثوق به هو الآخر بالنسبة للإدارة الأميركية والمقصود قوات سوريا الديمقراطية.

وقوات سوريا الديمقراطية شكلتها الولايات المتحدة في العام 2014 لمحاربة داعش وأيضا للحيلولة دون تمدد النفوذ الإيراني في سوريا وبخاصة وضع طهران يدها على الحدود العراقية السورية.

وقال أحمد نصرالله، معاون آمر “لواء الطفوف”، أحد فصائل الحشد الشعبي التي ساهمت في العملية، “أنقذنا 11 جنديا من قوات سوريا الديمقراطية، بعدما لجأوا إلى الحشد الشعبي من عصابات داعش الإرهابية على الحدود العراقية السورية”.

وأوضح نصرالله أنه “بتوجيه من قيادة عمليات الحشد الشعبي لمحور غرب الأنبار انطلقت قوة من لواء الطفوف وبالتعاون مع مغاوير حرس الحدود العراقيين، وتم إنهاء الحصار عليهم”.

وأضاف “كانوا يبعدون عنا مسافة 500 متر، على الجانب الآخر، عندما تعرضوا لهجوم داعش”.

وردا على المفارقة المتمثلة في إنقاذ قوة مدعومة إيرانيا لأفراد من قوات مدعومة أميركيا، قال نصرالله إن “داعش عدو للكل (…) النيران التي تؤثر على الديمقراطي تؤثر على الجيش العراقي والقوات العراقية”.

ويقول مراقبون إن هذا لا تمكن قراءته بمعزل عن الانتهازية التي تحكم العقلية الإيرانية، فطهران تركز على العداء مع إسرائيل تحت ذرائع أيديولوجية، لأن من صالحها ذلك فهو سر تنامي نفوذها في الساحة العربية، وما استفزازها لحكومة بنيامين نتنياهو عبر إرسال طائرة من دون طيار للأجواء الإسرائيلية إلا محاولة لشد العصب إليها والتسويق على أن إسرائيل تبقى العدو الأساس للاستمرار في الاستثمار بهذا الملف.

أما عن العلاقة بقوات سوريا الديمقراطية التي يشكل الأكراد عمودها الفقري، فهي طبعا لن تعدم، وفق المراقبين، طريقة إلا وتسعى من خلالها لفتح قنوات تواصل مع قياداتها، وتلعب هنا على المتغيرات الإقليمية التي قد تؤثر على ثقتهم بالحليف الأميركي.