ما هذه الصدف التي تجتمع في لبنان من غير ميعاد؟

وكيف تتقاطع فوق مسرحه السياسي المشرع على رياح الدنيا أحداث ومواقف دولية على أعلى المستويات؟

يقبل المسؤولون الأميركيون على لبنان بعد أن يطلق وزير الدفاع الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان تهديداً للشركات النفطية الكبرى التي ستحتفل اليوم بتوقيع عقد التنقيب عن الغاز مع وزارة الطاقة اللبنانية، مدعياً أن أحد الحقلين اللذين ستحظى بامتياز التنقيب فيهما، ملكٌ لإسرائيل. يأتي ذلك بعد أن كان بنيامين نتانياهو زار موسكو قبل زهاء 10 أيام من دون أن يثير في الكرملين زعمه بامتلاك البلوك الرقم 9. اكتفى بالتشديد مع سيد الكرملين على لازمته بأولوية إبعاد إيران وصواريخها عن حدود الجولان المحتل في سورية، وكذلك إبعاد مقاتلي «حزب الله». وحين زار موفداً فلاديمير بوتين، ميخائيل بوغدانوف وسكرتير الأمن القومي الروسي نيكولاي بتروشوف تل أبيب للتنسيق حول هواجس إسرائيل حول الوجود الإيراني في سورية، لطمأنتها إلى موافقة موسكو على حرية حركتها ضد هذا الوجود في بلاد الشام شرط ألا تمس بالجيش السوري النظامي، لم يثر نتانياهو مسألة التنقيب عن النفط لصالح لبنان. وهو ما ترك انطباعاً في موسكو بأن التصعيد الإسرائيلي إزاء ملكية البلوك الرقم 9 في البحر، مفتعل، بدليل أن الإسرائيليين أنفسهم أبلغوا الأمم المتحدة وكذلك الوسطاء الأميركيين، عدم نيتهم التصعيد، بعد الزوبعة التي أثارها ليبرمان.

فهل هي مصادفة أن الشركات الثلاث التي وقع معها لبنان العقد تضم «نوفاتيك» الروسية و»إيني» الإيطالية و»توتال» الفرنسية، فيما لم تتقدم أي شركة أميركية للمناقصة التي طرحتها الحكومة اللبنانية على رغم التحفيز اللبناني وزيارات وزير الطاقة إلى تكساس لهذا الغرض؟

يغط الأميركيون في بيروت بعد التهديد الإسرائيلي الذي يشمل إقامة الجدار الفاصل على الحدود، حيث تركز إسرائيل كتلاً إسمنتية على نقاط متنازع عليها، لتطرح واشنطن وساطتها مع إسرائيل حول نقاط الحدود البرية والبحرية. فهل أن تزامن التوسط الأميركي وراءه المشاكسة على سعي موسكو إلى اكتساب الموقع الأقوى في التحكم بسوق الغاز واكتشافاته شرق البحر الأبيض المتوسط، لا سيما بعد أن حصلت على امتياز التنقيب في المياه المقابلة للشاطئ السوري باتفاقات مع نظام بشار الأسد؟ فموسكو باتت تحتل مساحة واسعة في هذا الميدان وتشترك في التنقيب عن النفط في مصر.

تبرز التهديدات الإسرائيلية ثم التوسط الأميركي، في سياق مواجهة بين الدولتين الكبريين، لا تتوقف مظاهرها عند تشديد العقوبات الأميركية على كبار المسؤولين الروس، لتشمل رئيس الوزراء ديمتري ميدفيديف، بل تأتي بعد رسائل لموسكو، آخرها الصاروخ المحمول على الكتف الذي أسقط «سوخوي 25 فوق إدلب، بعد ضغط واشنطن لأجل تجويف مؤتمر سوتشي للأفرقاء السوريين...

قبل إقبال لبنان على توقيع عقود التنقيب مع كونسورسيم الشركات الثلاث، تردد أن إتاحة المجال أمام لبنان لاستغلال ثروته الغازية والنفطية مشروط بوضع الحلول لمسألة سلاح «حزب الله»، وأن واشنطن التي تشدد عقوباتها على إيران و»حزب الله» تنتظر مفاعيلها في السنوات المقبلة، وبعض الحلقات الدولية لا يخفي أن واشنطن ترى أن الثمار المالية للثروة اللبنانية في عرض البحر يجب أن توظف في جزء منها، لاستيعاب جيش المقاتلين التابعين للحزب وكذلك صواريخه، لتصبح بإمرة الدولة.

قد تكون صدفة أيضاً أن تعلن وزارة الدفاع الروسية عن قرار حكومي بمحادثات مع الحكومة اللبنانية للتوصل إلى اتفاق للتعاون العسكري، من ضمنه تبادل المعلومات ومكافحة الإرهاب...قبل أسبوع من الزيارة المرتقبة لوزير الخارجية الأميركي ريكس تلرسون إلى بيروت في سياق جولة على دول المشرق، فيما تستمر المساعدات الأميركية التسليحية للجيش في التدفق تدريجاً.

والمعاكسات المتبادلة بين روسيا والولايات المتحدة لسياسة الواحدة حيال الأخرى أخذت تتسع في الإقليم. فهل باتت تشمل لبنان، تحت مظلة حفظ الاستقرار فيه؟ وهي المظلة التي ما زالت تتحكم بأي خلاف حتى بين قواه المحلية، كما أثبتت المعالجة السريعة لصراع ترويكا الحكم أخيراً.

موسكو تواجه الضغوط الأميركية بمحاولة التمدد انطلاقاً من سورية، لاستعادة دورها في المنطقة كلها لا في سورية وحدها حيث الحرب بالواسطة، وتطمح إلى طرح المبادرات السياسية الموازية لإيجاد الحلول حتى في اليمن وفي ليبيا. وواشنطن تسعى إلى قطع الطريق على تفردها في سورية سواء بزيادة وجودها العسكري على الأرض مقابل القواعد الروسية، أو بضرباتها المباشرة مثلما حصل قبل يومين وطاولت الجيش السوري، الذي ستتفاعل في الأيام المقبلة الاتهامات الدولية له باستخدام الغازات السامة ضد المدنيين في الغوطة الشرقية وغيرها.