أثار خبر التعميم المتوقع صدوره من مصرف لبنان خلال الايام المقبلة، ضجةً في الشارع اللبناني، انعكست ثورةً افتراضية على مواقع التواصل الاجتماعي، كان قوامها إشاعات لم تكن المصارف بريئة منها، بهدف التصويب على مصرف لبنان وحاكمه رياض سلامة.

وراح المواطن اللبناني الذي أصبح حلمه استملاك بيت في بلد حيتان المال، يندب حظه المتعثر، ظناً منه أن القروض السكنية التي كانت تسند خيبته وتحقق حلمه ستصبح هي أيضاً بعيدة المنال إذا ما زادت فوائدها وتقلصت سنوات تسديدها.

يؤكد الخبير الاقتصادي البروفيسور جاسم عجاقة، في حديث لـ"ليبانون ديبايت" أن شيئاً لن يتغيّر على المواطن اللبناني بقضية قروض الإسكان، في ما عدا زيادة الفائدة بمقدار 0,5 في المئة التي هي نتاج الوضع السياسي الناتج عن الأزمة التي خلّفتها استقالة رئيس الحكومة سعد الحريري. 

والتعميم الذي سيصدر من مصرف لبنان سيتضمن تغيراً في طريقة تمويل القروض السكنية، فبعد أن كان المصرف يمول القروض السكنية عن طريق رأس المال سيعمد إلى تمويل الفائدة على أن تقوم المصارف بإقراض المواطنين من أموالها الخاصة.

أي بعدما كان مصرف لبنان يمنح المصارف رؤوس الأموال بفائدة 1 في المئة لمنح قروض سكنية للمواطنين بفائدة 3 في المئة (إضافة إلى كلفة مخاطر العميل) طيلة السنوات الماضية، سيبدأ اعتباراً من إصدار التعميم بمنح المصارف فرق الفائدة فقط. أو بمعنى آخر ستستمر المصارف بمنح القروض السكنية للمواطنين بفائدة مخفضة ولكن من مالها الخاص لا من أموال مصرف لبنان ولا من الاحتياطي الإلزامي، على أن يتوجه الأخير لدفع فرق الفائدة الزائدة التي تبتغي المصارف تحصيلها من هذه القروض أي أن الكلفة على مصرف لبنان ستبقى هي نفسها.

أما ما أشيع عن شروط إضافية تتعلق بوضع المواطن، أو تقليص سنوات تسديد القرض السكني من 30 إلى 20 سنة فلا صحة له، وما هو إلا شائعات تفيد ناشريها بهدف الضغط على مصرف لبنان للرجوع عن قراره الأخير.
كما أن المصرف بصدد تحضير رزمة مالية (مليار دولار)، يخصص 500 مليون دولار أميركي بالليرة اللبنانية، 500 مليون دولار منها للقطاع العقاري (بما فيها القروض السكنية) مع زيادة الفائدة 0,5 في المئة، بعدما كانت 3 في المئة، لتصبح اليوم 3,5 في المئة، ويخصص 500 مليون بالدولار الأميركي المتبقية للقطاع الانتاجي مع رفع الفائدة 0,25 في المئة.

وعن الأسباب التي أجبرت مصرف لبنان على اتخاذ مثل هذا القرار، يؤكد عجاقة أن أساس المشكلة هو أنه بعدما قام حاكم مصرف لبنان بخفض معدّل فائدة الإقراض السكني من 5 إلى 3 في المئة مع بداية العام 2017، زاد الطلب على القروض السكنية، وقامت المصارف العام 2017 بمنح قروض تجاوزت الموازنة المخصصة لها من مصرف لبنان، وفي آخر شهرين من 2017 قامت بإنهاء الموازنة المخصصة للعام 2018.

ويلفت عجاقة أن تحفيز القطاعات الإنتاجية هو من مهام الحكومة ضمن السياسة المالية للدولة اللبنانية إلا أن الأزمة السياسية التي يمرّ بها لبنان منذ بدء الأزمة السورية وغياب سياسات حكومية في هذا الاتجاه دفعت سلامة إلى اتخاذ إجراءات غير تقليدية لدعم القطاعات الإنتاجية وعلى رأسها القطاع العقاري الذي لولا دعمه لانهار كليًا، ومعه القطاع المصرفي الذي يتعرض لهذا القطاع بنسبة 17 في المئة، أي أن القروض المصرفية للقطاع العقاري هي بنسبة 17 في المئة.

ومنح مصرف لبنان المصارف اللبنانية رُزماً مالية للقروض السكنية بمبلغ يقارب 9 مليار دولار أميركي لدعم الاقتصاد (منها 4,5 مليار دولار للقطاع العقاري ومن ضمنه القروض السكنية)، منذ العام 2011 حتى اليوم. هذه الرزم سمحت للعديد من القطاعات بالصمود على الرغم من الأزمات السياسية المُتتالية.

في المحصلة هناك نتيجتان، الأولى أن سياسة تحفيز القطاع العقاري من قبل مصرف لبنان مستمرة بما فيها القروض السكنية مع تغيير في طريقة التمويل، وزيادة بسيطة في معدل الفائدة. والثانية أن الليرة اللبنانية بخير لأنه لو كانت الليرة في خطر لما استطاع مصرف لبنان إصدار رزمة جديدة للعام نفسه (2018) رغم استنزاف المصارف للميزانية المرصودة للعام الحالي في نهاية العام الماضي.

ويبقى السؤال لماذا بدّل رياض سلامة طريقة التمويل واستراتيجيته مع المصارف؟ وهل فعلاً استفاد المواطنون من كل هذه الرزم المالية التي منحها مصرف لبنان للمصارف خلال السنوات الماضية، أم أن هناك حلقة مفقودة لا يعرف سرّها إلا المصارف نفسها؟