بعد مرافقته قوة عسكرية ضخمة اجتاحت مدينة جنين الأسبوع الماضي، كتب المراسل العسكري الإسرائيلي أور هلير عن أطفال تصدوا للموت بحجارتهم الصغيرة، قائلاً: «كنت داخل إحدى مركبات الجيش، ولم أصدق أن أكثر من ألف فتى يلقون الحجارة والحارقات ويهتفون ضدنا؛ أحدهم ضرب باب الجيب العسكري وقال: افتح، افتح، وفي يده حجر». وأضاف: «غريب جداً هذا الجيل، لا يخاف، فعلى رغم إصابة سبعة منهم بالرصاص الحي، وعلى رغم كثرة الجنود، لم يشعر هؤلاء الفتية الصغار بالرعب».

ويتصدر الدور الذي يمارسه أبناء الجيل الجديد من الفلسطينيين في مواجهة قوات الاحتلال، النقاش العام في إسرائيل منذ انتشار فيديو يظهر الفتاة عهد التميمي (16 سنة) وهي تصفع ضابطاً إسرائيلياً اقتحم ساحة منزل عائلتها في قرية النبي صالح وسط الضفة الغربية.

ودفعت حدة النقاش حكومة بنيامين نتانياهو إلى اتخاذ قرار باعتقال عهد، في ما بدا أنه محاولة لإرضاء الرأي العام، أو ربما لقتل الظاهرة في مهدها. لكن اعتقالها ومحاكمتها حوّل الحالة إلى كرة ثلج تتدحرج وتكبر، ففي المجتمع الفلسطيني تحولت عهد إلى أيقونة ورمز مُلهم لأبناء جيلها، فيما انتقل النقاش في المجتمع الإسرائيلي من الصحافة والسياسة إلى الأدب والثقافة.

وما أن هدأت العاصفة التي فجّرها الشاعر الإسرائيلي يونثان جيفن بتشبيهه عهد في كلمات أغنية بيهوديات اعتبرن بطلات إبان «المحرقة»، حتى ثارت عاصفة جديدة فجّرها المستشار الديبلوماسي لنتانياهو، سفير إسرائيل السابق في واشنطن مايكل أورون، الذي قال لصحيفة «هآرتس»، إن لديه «شكوكاً عميقة في شأن فلسطينية عائلة التميمي الشقراء ذات العيون الزرق»، معتبراً أن ظاهرة عهد «إنتاج سينمائي» فلسطيني أطلق عليه اسم «باليوود» Pallywood».

وقال: «فحصنا جوانب كثيرة متعلقة بظاهرة التميمي. فحصنا مظهر العائلة، وإذا كانت الوجوه المنمشة الفاتحة لأفرادها قد اختيرت عمداً. واللباس أيضاً، غير فلسطيني، بل أميركي تماماً مع قبعات بيسبول معكوسة، حتى أن الأوروبيين لا يرتدون قبعة البيسبول معكوسة. كل شيء كان جاهز الإخراج، وبعد الاستفزاز أو الشجار كانت تصدر ملصقات أو حتى قمصان تحمل الصور». وتابع: «شاهدنا أشرطة الفيديو، والقاسم المشترك بين الأطفال هو مظهرهم ولباسهم، وبالفعل طرح السؤال عما إذا كانوا أفراد الأسرة نفسها أم أن ثمة من يعززها بأطفال يتم اختيارهم بحسب مظهرهم الخارجي».

وكشف أورون عن عقد جلسات سرية شارك فيها جهاز الأمن الداخلي، ومجلس الأمن القومي، ومنسق أعمال الحكومة في الأراضي الفلسطينية، للبحث في حالة عهد التميمي. وقال: «لم نتوصل إلى نتيجة قاطعة ونهائية حول ما إذا كان الجميع ينتمون حقاً إلى أسرة التميمي». وأضاف: «يجب أن نواصل التحقيق وأن نصل إلى مصادر النشاط. من هم المخرجون، من هم الممولون، ومن هم منتجو باليوود؟ هذا يسبب الضرر لنا ولأولئك الأطفال الفلسطينيين».

وقال باسم التميمي والد عهد لـ «الحياة»، رداً على هذه الاتهامات، إن «المجتمع الإسرائيلي مجتمع مريض، مشبع بالعنصرية الكريهة. الإسرائيليون يشعرون بحجم التعاطف العالمي مع عهد، خصوصاً في الغرب، لأنها تذكرهم بأطفالهم من حيث اللون واللباس، لذلك يحاولون تجريدها من فلسطينيتها لتجريدنا من الدعم الدولي. لكن عهد هي ابنة جيل فلسطيني كامل يتسلم الراية ويسعى للانعتاق من الاحتلال». وتابع: «كل جيل يأتي سيقاوم الاحتلال على طريقته، جيلنا قاوم على طريقته ولم ينجح، والآن جاء جيل عهد، وسيختار طريقه، وإذا لم ينجح سيأتي الجيل الذي يليه وهكذا إلى أن نتحرر».