ربما في كل الدوائر الانتخابية الـ14 يمكن توقّع صورة التحالفات إلّا في دائرة الشمال الثالثة التي تضم إلى جانب قضاء البترون ثلاثة أقضية أخرى هي بشري، زغرتا والكورة.

اللعبة الانتخابية اليوم في هذه الدائرة بشكل عام وفي قضاء البترون بشكل خاص مختلفة، بسبب متغيّرات عدّة أساسية.

فالقانون الانتخابي جديد، والجمع بين الأقضية الأربعة يحصل للمرة الأولى، بعد سنوات من خوض الانتخابات كل قضاء على حدة. كما أن حزب القوات اللبنانية يخوض المعركة في البترون للمرة الأولى من دون حليفه المستقلّ النائب بطرس حرب، علما أن حزب الكتائب اللبنانية حمل عدّته الانتخابية وعاد بمرشحه الشاب من طرابلس إلى مسقط رأسه.

هذا الأمر يجعل من معركة البترون مارونية بامتياز تعددت فيها المتغيرات وانحصرت القوى الرئيسية المتنافسة بأربعة أقطاب أساسية هي: النائب بطرس حرب ومن يمثل في البترون، القوات اللبنانية ومرشحها الدكتور فادي سعد، التيار الوطني الحر ومرشحه وزير الخارجية والمغتربين رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، والكتائب اللبنانية ومرشحه النائب سامر سعادة، تتنافس على مقعدَين مارونيَين يشغلهما في المجلس الحالي كل من النائبين بطرس حرب وأنطوان زهرا.

وتستند معركة البترون على لاعبَين أساسيَين وبالتالي على تحالفاتهما التي ستقوم على مستوى الدائرة ككل، وهما الحزب السوري القومي الاجتماعي وتيار المستقبل اللذان يلعبان دوراً مهماً بتحديد النتائج نظراً لحضورهما القوي في زغرتا والكورة.

يبلغ عدد الناخبين في قضاء البترون وفق آخر تحديثٍ أجرته وزارة الداخلية 60128 ناخب، يتوزعون بين (41954 موارنة، 10070 أرثوذكس، 1994 كاثوليك، 3764 سنة، و1034 شيعة) من أصل 246977 ناخب، على مستوى الدائرة التي تشير التوقعات إلى أن الحاصل الانتخابي فيها لن يقل عن 12500 صوت.

"حتى الآن التحالفات غير واضحة إلا ما أعلنه رئيس تيار المردة سليمان فرنجية ولم ينفِه النائب بطرس حرب عن تحالف في دائرة الشمال الثالثة بين المردة، وحرب والقومي السوري". بهذه الكلمات تعبّر مصادر القوات في البترون عن تحالفات المعركة الانتخابية. وتؤكد في حديثها لـ"ليبانون ديبايت" أن لا تحالفات واضحة للقوات في البترون والتوجه حتى الساعة نحو خوض المعركة بلائحة مستقلة.

لا ينفي "القوات" إمكانية حصول تحالف بينه وبين الكتائب اللبنانية في البترون، لأن التقارب الشعبي موجود وقوي في المنطقة، فـ"القوات يبلوِر الفكر الكتائبي، وداخل كل كتائبيّ نظرة تقدير للقوات ومشروعه المتطور والمتقدم، وهناك علاقة راسخة وليست عابرة بين الطرفين". وتتوقع أنه على المستوى السياسي أن أي علاقة مع الكتائب لن تكون فقط محصورة بالبترون بل مرتبطة بالتوافق على مستوى كل البلد، فإما أن تحصل بكل الدوائر وإما لا.

تصف المصادر وضع القوات في البترون بـ"المريح جدا"، ويرى الحزب نفسه خارج المنافسة مع باسيل وحرب، فهما "يشكلان خطراً على بعضهما وليس علينا، فحضور القوات في الدائرة ككل وشعبيتنا وحزبيتنا، والأهم أداءنا السياسي خلال 11 سنة إن كان نيابيا أو وزاريا، تشكل رصيداً عند الرأي العام المؤيد للقوات عقلياً لا عاطفياً". وترى في جمع الأقضية سلبية وحيدة وهي أن النسبية لم تكن على مستوى الدائرة كلها، بل كان الصوت التفضيلي على مستوى القضاء، الأمر الذي إن حصل لضاعف حظوظ القوات في البترون.

لا تخوُّف لدى القوات من خوض المعركة وحيدة من دون حرب لأول مرة، لأن القانون الجديد خلط الأوراق، وأضعف تأثير التحالفات، وواثقة جداً بمرشحها فادي سعد وهو "معروف وموجود وعلى تماس دائم مع أبناء البترون كطبيب جراح، وهو مناضل في القوات من منسق منطقة البترون إلى الأمانة العامة للحزب واليوم مرشحاً للانتخابات النيابية". وتتوقع أن يصبح سعد علماً في المجلس النيابي يرفرف مثل زهرا الذي لن يخوض الانتخابات برغبةٍ منه، وإفساحاً بالمجال لكوادر القوات للتناوب على حمل مسؤولية الشأن العام.
في المقابل، يلتقي الكتائب مع كلام القوات وتؤكد مصادره لـ"ليبانون ديبايت" أنه إما أن يحصل تحالف جامع مع القوات، وإما لا، وتشير إلى أن الاتصالات القائمة بين الحزبين هي في المرحلة الأولى وفي سياق سياسة التموضع.

فـ"القوات وإن كان مع السلطة ولكن هناك تباينات كبيرة بينهما"، ويرمي الكتائب كرة التحالف في ملعب القوات، وتقول إن للقوات حرية الخيار "إما التوجه نحو التحالف مع أحزاب السلطة وإما نحو المعارضة". ويشير الكتائب إلى أن تحالفها الوحيد الثابت حتى الآن هو مع مجموعات المجتمع المدني والشخصيات المستقلة التي لها حضورها.

وعن اختيار البترون كدائرة لخوض المعركة الكتائبية بمرشحها الذي هو حالياً نائباً عن المقعد الماروني في طرابلس، تؤكد المصادر أن "مكان سعادة الطبيعي هو البترون، وللكتائب حيثية معروفة في هذا القضاء، وإن اختيار سعادة للمقعد الماروني في انتخابات 2009 جاء نتيجة التحالف مع 14 آذار أما اليوم فلا تحالف مع الأخيرة".

من جهةٍ ثالثة، تكتسب معركة البترون حساسية لدى التيار الوطني الحر كونها مسقط رأس رئيس التيار جبران باسيل، وهي المعركة التي خاضها الوزير أكثر من مرة على القانون الأكثري ولم يفلح. أما اليوم، يبدو أن التيار أكثر ارتياحاً لهذه المعركة مع القانون الجديد، ومع تحالفه المتوقّع مع تيار المستقبل. 

وتؤكد مصادر التيار لـ"ليبانون ديبايت" أن الوطني الحر حتى الساعة متحالف مع الجمهور، وأن كل الاحتمالات مفتوحة بما فيها التحالف مع المستقبل. وتلفت إلى أن القانون الجديد يختلف عن القوانين السابقة ويُبرِز الأحجام الحقيقية للقوى السياسية، فـ"كل فريق ينجح بأصواته التفضيلية".

ولذلك تلفت المصادر إلى أن التيار متوجه لترشيح مرشح عن كل قضاء حتى الساعة، وهم كافيين لخوض المعركة، والباب مفتوح للحلفاء كما للمناصرين، وبالتالي التيار جاهز لدخول السباق الانتخابي على مستوى البترون وعلى مستوى الدائرة ككل.

وعن كل ما يُشاع حول ارتباك التيار في البترون ووضعه المحرج، تؤكد المصادر أن لدى التيار قراءات ومعطيات وحسابات "تتحفظ عن ذكر تفاصيلها"، وتؤكد أن صوت الناس سيصل في هذا القانون، وتلفت إلى أن التيار مستفيد من هذه الشائعات، ولصالحه نسج مثل هذه الأقاويل لأن ذلك يساهم باستنهاض انتخابي للقاعدة الشعبية.

معركة شرسة سيشهدها القضاء، أما الضحية بين المتنافسين الأقوى فلا يمكن التكهن باسمها إلا بعد كشف الستار عن نتائج الاستحقاق الانتخابي المقبل.