جمعتهم الحياة ولم يفرقهم الموت، هذا حال الشبان الثلاثة الذين فَجعوا المتن الاعلى، لا بل كل لبنان برحيلهم المفاجئ في حادث سيّر مروع وقع مساء الأربعاء... تربص شبح الموت بزينة شباب رأس المتن وقبيع على طريق عام دير الحرف، انزلقت سيارة "الأودي" التي كان يقودها سيزار غزال قبل ان تصطدم بعمود كهرباء، والنتيجة خسارته وصديقاه ماهر صالحة وادوناي الأعور، في حين لا يزال رامي صالحة يصارع القدر على سرير المستشفى.

رسالة "اعتذار"

"عند الساعة السادسة والنصف من مساء أول من امس الأربعاء ارسل سيزار رسالة عبر "الواتساب" الى مدير كرة القدم في نادي هلال النصر هشام غرز الدين اطلعه خلالها انه لن يتمكن من الحضور الى التدريب واصطحاب اصدقائه لمشاهدته كعادتهم، وانه يعتذر عن عدم المشاركة في المباراة المحددة يوم الاحد القادم بسبب انشغاله مع رامي وماهر وادوناي بإعداد مشروع دراسي، فهم زملاء في ذات المدرسة والصف"، بحسب ما قال امين سر نادي هلال النصر سابقا والعضو الحالي المحامي جمال مكارم لـ"النهار"، قبل ان يشرح "امور عدة جمعت بين الشبان الثلاثة فإضافة الى كونهم جيراناً وتلاميذ في مدرسة المنار الحديثة في صف البكالوريا مع رامي الموجود الآن في مستشفى عين وزين لتلقي العلاج، فإن الرياضة كذلك جمعتهم، حيث ان ماهر(16 سنة) سبق أن شارك ببطولتين عالميتين في الكيغ بوكسينغ وحصل على ميداليتين فضيتين. أما سيزار(16 سنة) فحاصل على أربع ميداليات عالمية في اللعبة ذاتها وحاصل كما ماهر(16 سنة) عدة مرات على بطولة لبنان في الكيغ بوكسينغ، وهو يلعب كرة قدم مثل رامي (17سنة)".

"بقعة الموت"

عند حوالى الساعة السابعة والنصف مساء أنهى الشبان الأربعة "كزدورة" في المنطقة، عادوا ادراجهم الى بلدة رأس المتن مسقط رأس ماهر، سيزار ورامي، ووالدة ادوناي، من دون ان يتمكنوا من الوصول. ففي غفلة وقع ما لم يكن في الحسبان. وبحسب ما شرح خبير حوادث السير الذي كشف على "الفاجعة" الياس سركيس "انزلقت سيارة "أودي" بسبب "السرعة الزائدة" على طريق جبلية وعرة شبه منحدرة مبللة بالماء، قبل أن تصطدم بعمود الكهرباء". ولفت في اتصال مع "النهار" إلى أن "الطريق معبدة ويوجد فيها انارة لكن هذه النقطة سوداء تشهد بشكل دائم حوادث سير، حيث لفظ 12 شاباً الى الآن أنفاسهم الأخيرة هناك، مع العلم ان لا علاقة للحوادث التي تقع عليها بطبيعة الطريق لكن لسبب ما نجهله".

مشهد صاعق

سمع نادر حاطوم الذي كان متواجداً في ارضه القريبة من مكان الحادث صوت ضربة، سارع كما قال لـ"النهار" لمعرفة ما حصل. وأوضح "خلال دقائق وصلت، لأصعق بهول المشهد، كان احد الشبان ممددا على الأرض بعيدا عدة امتار عن السيارة، ما يشير الى تمكنه من مغادرة المركبة بعد الحادث والسير او الزحف أمتاراً. كان لا يزال يتنفس، في حين علق الشبان الثلاثة في السيارة، اثنان منهم كانا يئنان، قبل ان يستسلما للموت". وأضاف "حضر الصليب الأحمر ونقل الشاب الذي كان خارج السيارة، وآخر كان داخلها الى المستشفى، في حين استغرق انتشال الشابين الآخرين نحو 45 دقيقة من قبل عناصر الدفاع المدني".

خسارة كبيرة

شاء القدر ان ترزق كل عائلة من عائلات الضحايا بولدين. ولفت مكارم "لدى سيزار شقيق وحيد اصغر منه، كما لدى ماهر شقيق اكبر منه يلعب في نادي بيروت لكرة السلة، ولرامي شقيق واحد، في حين أن لأدوناي ابن رئيس بلدية قبيع شقيقة". أما نائب رئيس بلدية قبيع ابرهيم بو فخر الدين فقال في اتصال مع "النهار": "على الرغم من ان أدوناي من بلدة قبيع، الا انه يقصد مدرسته يوميا في راس المتن، وعند الانتهاء من دوام الدراسة يعود ادراجه الى منزل جده والد امه حيث ينتظرها الى حين قدومها من عملها واصطحابه الى بلدته". وأشار "في لحظة انتهى كل شيء. حرم المتن الاعلى من شباب كانوا فخراً له، تلاميذ مجتهدين، خلوقين ورياضيين".

وداع "الأقمار"

اليوم ودعت رأس المتن وقبيع أبناءها، "بحضور ممثل عن رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط ونجله تيمور ووزير المهجرين طلال ارسلان، اضافة الى رئيس اتحاد الكيغ بوكسينغ وممثل شيخ العقل ورئيس اتحاد بلديات المتن الاعلى مروان صالحة والوزير ايمن شقير ومسؤولي الاحزاب" بحسب مكارم. كما ضجت مواقع التواصل الاجتماعي بالخبر الحزين. الناشطون عبّروا عن صدمتهم بهول الخسارة الثلاثية، الوزير ارسلان نعى في صفحته على "تويتر" الشبان الثلاثة بالقول: "فاجعة تهزّ الجبل والمتن الأعلى، خسارة شبّان في ربيع عمرهم اثر حادث سير مروّع والخسارة أكبر من كلّ كلام، ماهر صالحة، سيزار غزال وأدوناي الأعور، الرحمة لروحكم، عسى أن يتغمدكم الله بواسع رحمته، والصبر والسلوان لأهلكم وذويكم ولأهالي رأس المتن وقبّيع ومنطقة المتن عموماً. والشفاء لرامي". في حين غرّد تيمور جنبلاط "الله يرحمهم ويصبّر أهلهم على هذه الفاجعة...تعازينا الحارّة الى ذويهم وعموم أهالي المنطقة".

أما رندة المصري صالحة قريبة ماهر وجارة سيزار فعلقت على هول الكارثة في اتصال مع "النهار" بالقول: "تلات قمار بفرد ساعة ممددين... ما عاد ساعتكن هالدني تخمين... رحتوا وترتكتوا قلوب مفجوعة... عمين رح نبكي ولّا عمين!".