ميليشيات مسلحة لفرض النفوذ الإقليمي وأخرى إلكترونية للتجسس والتخريب
 

لم يأت حديث المسؤولين العرب والأوروبيين المشاركين في منتدى دافوس عن إيران وتهديداتها للمنطقة من فراغ. وإذا كانت الميليشيات المسلحة المنتشرة في العراق وسوريا واليمن دليلا واضحا على “أن إيران تستخدم الطائفية والإرهاب لكي تتدخل في شؤون الدول الأخرى”، كما قال وزير الخارجية السعودي، فإن هناك أسلحة أخرى تعتمد عليها إيران وتقلق الدول الغربية، منها ألمانيا التي كان لها دور في أن تتحول إيران من دولة مارقة إلى دولة حليفة خلال مفاوضات الاتفاق النووي، فما كان منها إلا أن كافأتها بخلية تجسس.

وتؤكد دراسات ومتابعات لسياسات الولايات المتحدة والقوى الأوروبية والعربية لمواجهة التهديدات الإيرانية ووقف تمويلها للإرهاب ولكل ما يساهم في استدامة حالة الفوضى في الشرق الأوسط وفي أماكن أخرى من العالم، ضرورة أن تكون هذه السياسات متعددة الزوايا والاهتمامات، فالخطر الإيراني لا يشمل فقط الميليشيات المسلحة والجماعات الطائفية، فقبل أن تظهر تلك الجماعات كانت إيران تعتمد على التجسس والتخريب ومازالت هذه السياسة عقيدة أساسية عند الإيرانيين.

ودقت دراسة أعدها معهد كارنيغي ناقوس الخطر من قدرات إيران على شن هجمات إلكترونية، مشيرة إلى أنه مثلما تستخدم إيران الوكلاء لفرض نفوذها الإقليمي تستخدم العالم الافتراضي للتجسس والتخريب والانتقام. وتخفي طهران عملياتها السيبرانية باستخدام الوكلاء أيضا، مثلما تفعل في الحرب الواقعية، حتى تحافظ على بقائها في الظل وعدم الكشف عن هويتها، غير أن هناك مؤشرات واضحة على أن هذه العمليات يقوم بها الإيرانيون وكثيرا ما يمكن ربطها بالجهاز الأمني الإيراني المتمثل في وزارة الاستخبارات وقوات الحرس الثوري.


أورسولا فون وزيرة الدفاع الألمانية: لدينا مخاوف عديدة بشأن إيران، ونواجه قطعا مشكلات كثيرة معها. لكننا نعتقد أن الاتفاق النووي يجسد المشكلة الأساسية
ويرصد الباحثان كريم سادجابور وكولين أندروسون، من خلال مجموعة من الأمثلة كيف أن الهجمات السيبرانية تعد من أهم الأدوات الأساسية التي يستعين بها النظام الإيراني، ما وفر لطهران فرصا أقل خطورة لجمع المعلومات والانتقام من الخصوم والأعداء في الداخل والخارج، بدءا من منظمات المجتمع المدني الإيرانية إلى المؤسسات الحكومية والتجارية في إسرائيل والولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية وغيرها من الدول العربية والأوروبية.

وعلى الرغم من أن إيران تعتبر في العموم قوة إلكترونية من الدرجة الثالثة مقارنة بقدرات الصين وروسيا والولايات المتحدة، فقد استغلت طهران حالة عدم التأهب لدى الهدف داخل إيران وخارجها بشكل فعال. وكما أظهرت حادثة اختراق روسيا لشبكة الحاسب الآلي الخاصة بالحزب الديمقراطي الأميركي خلال انتخابات الرئاسة الأميركية لعام 2016 أن الحرب الإعلامية يمكن أن تتم باستخدام أقل الوسائل والتكتيكات الممكنة، فإن تلك الوسائل الإيرانية البسيطة قد تسببت أحيانا في إحداث خسائر سياسية ومالية هائلة تكلف بها هؤلاء الخصوم.

وتقوم الجهات الإيرانية المسؤولة عن التجسس ضد القطاع الخاص بمراقبة المدافعين عن حقوق الإنسان. هذه الهجمات على المجتمع المدني الإيراني في الكثير من الأحيان يمكن أن تكون نموذجا يشي بنفس التكتيكات والأدوات التي سيتم استخدامها ضد أهداف أخرى، ويمكن أن تكون أيضا وصفا أفضل للمخاطر التي تشكلها الحرب السيبرانية الإيرانية.

من خلال الأدلة التقنية للهجمات السيبرانية، يمكن للباحثين أن يوفروا نافذة لتوضيح قدرات الأجهزة الأمنية في إيران، وكيف تستجيب لتغير البيئة التكنولوجية والجيوسياسية المتسارع بطبيعته.

وتحث الدراسة الولايات المتحدة على استغلال العقوبات لمنع الدول الأجنبية أو الجهات الفاعلة الأخرى من تقديم المساعدة لإيران من أجل تنفيذ هجماتها السيبرانية. وينبغي أن تعطي هذه القيود المفروضة الأولوية للسماح للمجتمع الإيراني بدخول عالم الإنترنت والمعلومات على نطاق أوسع وذلك من أجل الحد من قدرة النظام على التحكم في شبكة المعلومات والاتصالات. وكانت الولايات المتحدة اتبعت استراتيجية “القذف والفضح” ضد الجهات الفاعلة في مجال التهديد السيبراني في إيران، ويرى سادجابور وأندروسون أن على الإدارة الأميركية أن تستمر في القيام بذلك. وقد أصدرت وزارة العدل لوائح اتهام ضد الإيرانيين المتورطين والتي أدت في النهاية إلى نجاح عملية تسليم أحد القراصنة المتورطين في سرقة الأسرار العسكرية من دولة ثالثة.