أجواء التأزم المهيمنة على الوضع السياسي, والعلاقات المتوترة السائدة بين أطراف السلطة, والتي بلغت ذروتها في الخلاف المتفاقم بين رئيسي الجمهورية ومجلس النواب, لا تساعد على توفير الأجواء المناسبة, لإجراء الانتخابات النيابية في أيار المقبل.
وليس خافياً أن العلاقات المتأزمة بين «التيار الوطني الحر» وبقية الأطراف المسيحية الأخرى, بما فيها حليف الأمس, «القوات اللبنانية», وحالة الجفاء الحاصلة بين «تيار المستقبل» وبقية الأطراف السنيّة, والتي وصلت إلى مستوى من العداء مع ظاهرة اللواء أشرف ريفي, سترمي بظلها الثقيل على الاستعدادات الانتخابية, وتنقل الخلافات السياسية إلى الشارع, مع كل ما يعنيه ذلك من احتمالات وقوع مواجهات مفتوحة على شتى أنواع العنف السياسي، والذي قد يتحوّل إلى عنف دموي.
القيادات السياسية تدرك أكثر من غيرها, أن ثمة تربصاً بالساحة اللبنانية من جهات عدّة, أوّلها العدو الإسرائيلي, الذي بعث بأولى رسائله عبر تفجير صيدا الذي استهدف أحد كوادر حركة «حماس», وثمة توقعات لعمليات إسرائيلية أخرى, كلما سنحت الظروف الداخلية اللبنانية بذلك.
والتربص الإرهابي بالوضع اللبناني لا يقل ضراوة عن الاستهداف الإسرائيلي, وما كشفه فرع المعلومات الأسبوع الماضي, عن مخطط وخلية لتنفيذ عمليات تفجير واغتيالات, يؤكد خطورة المرحلة التي يجتازها البلد في هذه الفترة, والتي تحتاج إلى تهدئة داخلية, تتيح المجال للأجهزة الأمنية التفرّغ والتصدي لمحاولات تخريب الاستقرار الحالي, وقطع الطريق على المصطادين في مياه الخلافات اللبنانية العكرة.
وإذا أضفنا إلى العوامل الأمنية, تفاعلات الخلافات المتزايدة حول التعديلات المطروحة على قانون الانتخابات, وغياب الرؤية الواحدة لأهل الحكم, في إدارة التجربة الانتخابية الأولى بموجب القانون الجديد, يصبح من السهل استنتاج حجم التداعيات السلبية التي يمكن أن ترتد على الوضع الداخلي, الذي يعلم الجميع ما يعانيه من وهن وهشاشة.
ومحاولة بعض الجهات الحزبية والسياسية تسويق اقتراح بتأجيل الانتخابات لمدة ستة أشهر, لا يفترض أن يشكل أي حساسية للعهد الحالي, الذي ارتضى أصلاً تأجيل الانتخابات عشرين شهراً, بعد بدء ولايته, بحجة الاتفاق على قانون انتخابات جديد, وذلك بخلاف كل الأعراف والتجارب السابقة, حيث كان كل عهد يستهل ولايته بانتخابات نيابية, يسعى سيد العهد من خلالها إلى تأمين كتلة سياسية موالية تواجه معارضيه.
والمفارقة الملفتة في هذا الإطار أن العماد ميشال عون كان من أشد المعارضين للتمديدين السابقين للمجلس النيابي, إلى حد الذهاب إلى الطعن أمام المجلس الدستوري, والعمل على إبطال قانونيّ التمديد, ثم كان ما كان بالنسبة لتعطيل جلسات المجلس الدستوري! ولكن هذا الموقف تغيّر إلى نقيضه مع مطلع العهد, حيث أعطى فريق رئيس الجمهورية الأولوية لوضع قانون جديد, وليس لإجراء انتخابات نيابية حسب قانون الستين, ولو من باب الحرص على مصداقية المواقف المبدئية للتيار المُعارِضة للتمديد للمجلس النيابي. بل ذهب الوزير جبران باسيل أبعد من ذلك, عندما سارع إلى الإعلان عن أن الحكومة الحالية ليست حكومة العهد الأولى, بل هي «حكومة انتخابات»! وفي حال جرت الانتخابات في أيار المقبل, تبدأ ولاية المجلس الجديد مع مشارف السنة الثالثة من ولاية العهد الحالي, وذلك في واقعة غير مسبوقة في تجارب عهود الاستقلال!
انتخابات أو لا انتخابات, لم تعد هي المسألة, بقدر ما أصبحت المشكلة تتركز على أجواء الخلافات والانقسامات بين أهل الحكم, والتهديدات الأمنية, الإسرائيلية  والإرهابية, التي تتربّص بالبلد!