على هامش النقاش حول الملفّات المفتوحة بكل أشكالها في الداخل، أو تلك التي تَعني علاقات لبنان بالخارج قبل أشهرٍ قليلة على الإنتخابات النيابية، وعشيّة مسلسل المؤتمرات الدولية الخاصة بلبنان، يُهيمن الحديث عن الخلاف القائم بين بعبدا وعين التينة على مرسوم الأقدمية وتردّداته السلبيّة على سير المؤسسات. وعليه طُرح السؤال مَن هو المتضرِّر والمستفيد ممّا يجري؟
 

على وقع حرب الفتاوى القانونيّة والدستورية التي تطوَّرت في الساعات الماضية ما بين وزيرَي العدل والمال، توسَّعت رقعة الخلاف بين بعبدا وعين التينة، وبدأت ردات الفعل السلبيّة تنعكس على وضع المؤسّسات والإدارات الرسمية التي تحوَّلت متاريس متبادَلة بين المتخاصمين.

فعقب الكشف عن رأي هيئة التشريع والاستشارات معطوفاً على رأي لمجلس شورى الدولة الذي اعتبر أنّ توقيع وزير المال على مرسوم الأقدمية ليس إلزامياً وغير جوهري، ردّ وزير المال بفتوى أخرى تؤكّد ضرورة توقيع وزير المال متى أدّى أيّ مرسوم الى المسّ بالمال العام.

ولما جاء الطرفان برأيَين صادرَين عن مجلس شورى الدولة نفسه، تساوت موازين القوى دستورياً، فلكل منهما وثيقة تدعم رأيه، طالما أنّ الطرفين قرّرا صراحة المضي في المواجهة الى النهاية التي يريدانها بلا ضوابط ولا مواعيد مسبَقة لإمكان وقف الجدل بينهما.

ولما كان الرأيُ الأول لمجلس الشورى يُعطي رئيس الجمهورية حقّه بالإصرار على موقفه من عدم الحاجة الى توقيع وزير المال على مرسوم ترقية ضباط دورة 1994، جاء الثاني ليحكم بالعكس بقوله إنّه يستحيل صدور أيّ مرسوم بطريقة دستورية كاملة المواصفات ما لم يذيَّل بتوقيع وزير المال الى جانب كلّ من رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة والوزير المختص، إذا كان سيرتّب على الخزينة مصاريف مالية إضافية.

وعند المساواة في الرأيين، وفي ظلّ فقدان أيّ وساطة قادرة على تقريب وجهات النظر أو إمكان جمعهما في نقطة الوسط، يبدو جلياً أنّ المواجهة مستمرّة بكل الأسلحة المتاحة القانونية والدستورية والإدارية. وإزاء هذه الثوابت، يعترف المراقبون بأنّ هذه المواجهة ستأخذ مداها على كلّ المستويات، وستأتي المرحلة المقبلة بالملفات التي يمكن أن تستدرج الطرفين الى الإشتباك مرة أخرى، وقد أعدّت العدة كاملة لهذه الغاية.

وعليه، يرى المراقبون أنّ جلسة مجلس الوزراء اليوم ستشهَد أولى المواجهات الجديدة جراء وجود «البند 24» الذي أُدرج على جدول أعمالها، وهو موضوع خلافي يتناول مشروع قانون معجّل مكرّر لوزير الخارجية جبران باسيل يرمي الى تعديل بعض المهل الواردة في قانون الإنتخابات النيابية ذات الرقم 44 الصادر بتاريخ 17 حزيران 2006 والخاصة بتسجيل المغتربين لدى المراكز الإنتخابية التي ستنشأ في الخارج، بهدف إشراكهم في الإنتخابات النيابية المقبلة.

وهو كما بات معروفاً مطلب «عزيز» على قلب باسيل، ولذلك سيسجّل وزيرا «امل» وربما معهم وزراء آخرون، رفضهم الموافقة عليه، ما قد يؤدّي الى تفجير العلاقة بينهما مجدداً، هذا إذا لم يرفض الوزراء أيضاً اقتراحاً آخر لباسيل يقضي بإنشاء عدد من القنصليات في عواصم ومدن في العالم إن بقيت الجلسة قائمة الى حين البتّ به.

وإذا وقع الإشكال اليوم، لن يكون مستغرَباً، فالمواقف والمناقشات السابقة فرزت القوى داخل مجلس الوزراء، وقبله في اللجنة الوزارية المكلّفة البحث في قانون الإنتخاب. وهو ما سيؤدي الى خلاف اكبر يمكن أن ينسحب على بنود أخرى في الجلسة التي سمّاها أحد الوزراء بأنها «جلسة وزير الزراعة»، الذي تمكّن من خلال مغادرته جلسة مجلس الوزراء الأسبوع الماضي من فرض شروطه على رئيس الحكومة والأمانة العامة للمجلس، فأدرجت على جدول أعمال جلسة اليوم عدداً من البنود التي سبق له أن اعترض على عدم إدراجها سابقاً.

وهي بنود ستفرض صرف مليارات عدة من الليرات اللبنانية على مشاريع أعدّها الوزير غازي زعيتر في مجالات التوظيف والإستثمار وإنشاء المختبرات الخاصة بمصلحة الأبحاث العلمية الزراعية على عدد من المعابر الحدودية وتعيين حراس الأحراج والأسماك والصيد.

وإضافة الى ما هو متوقّع على صعيد الخلافات التي يمكن أن تشهدها الجلسة اليوم، يتطلّع المراقبون الى ردّات الفعل السلبية التي طاولت مؤسسات أخرى جراء المواجهة المفتوحة على شتى الإحتمالات.

وتوقّفوا أمام مضمون الكلمات القليلة التي عبّر عنها الرئيس نبيه برّي من طهران رفضاً منه لمضمون رأي هيئة التشريع والاستشارات عندما قال إنّه رأي جاء «غب الطلب»، ليُوحي بأنّه كان بالإمكان أن يأتي عكس ذلك لو لم يكن وزير العدل من حصة تكتل «التغيير والإصلاح»، ومن المناهضين له في هذه القضية.

وإزاءَ هذا الجدل، لم تُخفِ مراجعُ قضائية استياءَها من مضمون ردّ بري، وهو الذي سبق له أن وجّه تهمة أكبر من هذه الى القضاء، عندما أشار رداً على دعوة رئيس الجمهورية المتضرّرين من مرسوم الأقدمية الى مراجعة القضاء، فاعتبر أنّ اللجوء الى القضاء هو للضعفاء وليس للأقوياء. والى عتب هذه المراجع على بري، فهي لم توفّر عتباً مماثلاً على وزير العدل الذي وضع بعض المراجع القضائية في مواجهة غير محمودة النتائج.

فالجميع يعرف أنّ لمجلس الشورى أو أيّ هيئة قضائية أو إدارية أخرى آراء متناقضة تصدر على قاعدة «غب الطلب» قياساً على تزامنها مع العهود وموازين القوى في الوزارة والبلد، ولم يكن مستحبّاً أن يدخل القضاء في هذه المواجهة وهو لم يلملم بعد النتائج السلبية التي ترتّبت على المناقلات والتعيينات القضائية الأخيرة وما رافقها من توزيع مواقع حساسة وما أنتجته من استقالات في بعض منها.

وللتوغّل أكثر في إطار السعي الى تحديد المستفيدين والمتضرّرين من غير الضحايا الإداريين وفي القضاء، ثمّة اشارة الى مستفيدين ومتضرّرين في السياسة ايضاً.

وقد سأل مرجع حكومي قبل أيام عن الأسباب التي تدفع الى مناقشة المخارج المطروحة للخلاف بين بعبدا وعين التينة في الإعلام قبل أن يتسلّمها المعنيون بها، فوضعوا المسؤولية على مَن سرّب التفاصيل لتكون لهم أسماء على لائحتي المستفيدين والمتضرّرين معاً.