أن تكون كاثوليكيا (على سبيل المثال لا الحصر) في دائرة انتخابية لا يوجد فيها مقعد للكاثوليك، يحق لك الترشح عن مقعد لنفس المذهب في دائرة انتخابية أخرى، ولكن أن تترشح عن مقعد لطائفة ثانية في دائرتك، فهذا جرمٌ كبير يعاقب عليه القانون، والشعب، وليس بعيداً أن يؤدّي إلى حربٍ مذهبية أهلية يكون مقعد الطائفة شرارتها الأولى. 

"كلّو إلا الطايفة"... على هذا المبدأ سُيّرت كل الأمور وكُتبت كل النصوص في هذا البلد الصغير الذي دفع ولا زال يدفع الثمن بسبب العقلية المذهبية. فيمكنك أن تعيث بالدستور فساداً وتعبث بالقوانين كما يحلو لك لحدّ أن تصل إلى الطائفة التي لم نرَ وربما لن نرى خطوطاً أكثر احمراراً منها في لبنان.

 


يقول الدستور اللبناني في الفصل الثاني منه (السلطة المشترعة) في المادة 24: "يتألف مجلس النواب من نواب منتَخبين يكون عددهم وكيفية انتخابهم وفاقاً لقوانين الانتخابات المرعية الاجراء. وإلى أن يضع مجلس النواب قانون انتخاب خارج القيد الطائفي توزع المقاعد النيابية وفقاً للقواعد الآتية:
أ- بالتساوي بين المسيحيين والمسلمين
ب- نسبياً بين طوائف كل من الفئتين
ج- نسبياً بين المناطق

بحسب جولة استطلاعية على المناطق، يتبين وجود سخط من الأهالي على ممثليهم بشكل عام، سواء كانوا من أبناء المنطقة أو من خارجها. وتحديداً في تمثيل المناطق يرفض قسم لا بأس به من الناس استقطاب نواب من مناطق أخرى، باعتبارهم أن ابن المنطقة "أحق وأدرى بهموم منطقته وحاجات أهلها"، وأن آلية ترشح نواب في غير دائرتهم الانتخابية يُحدث خللاً في التوازن بين المناطق، ويحرم المنطقة من الحصول على نسبة تمثيلها الحقيقية التي يضمنها الدستور في المادة 24 منه. 

وترى هذه الأوساط الشعبية أن النواب "المُنزلون" على دوائر انتخابية ليسوا منها هم كنواب أمر واقع تفرضهم قوى سياسية متحكمة بمفاصل البلد على مناطق معينة. وبنفس الوقت، تعمل هذه القوى على تكريس واقع انتخابي لا منطقي يمنع المقيم من انتخاب ممثليه سواء بالسلطة المحلية أو التشريعية.

ومن هؤلاء النواب نجد نماذج عديدة في البرلمان الحالي، أو في الاسماء المرشحة للانتخابات النيابية المقبلة، ومن أبرزها: 
النائب سامر سعادة ابن البترون نائب عن المقعد الماروني في طرابلس.
النائب عقاب صقر ابن الشياح نائب عن المقعد الشيعي في زحلة.
العميد المتقاعد شامل روكز ابن البترون، مرشّح التيار الوطني الحر عن المقعد الماروني في كسروان جبيل.
المهندس عماد واكيم ابن شحيم مرشّح القوات عن مقعد الروم الأرثوذكس في بيروت الأولى.

فمَن سمح للنائب بأن يترشّح بغير منطقته؟ وحرمه من الترشح عن غير طائفته؟ هل هو الدستور؟ القانون؟ أم العرف؟ وهل يُعتبر هذا الشيء ضرباً لمبدأ النسبية بين المناطق؟

يؤكد رئيس مؤسسة "Justicia" المحامي الدكتور بول مرقص لـ"ليبانون ديبايت" أن لا نص قانوني يمنع ترشح نائب في غير دائرته الانتخابية، وحيث لا منع يوجد إباحة، وهناك قاعدة في القانون تقول إن "المبدأ هو الحرية والمنع هو القيد".

علماً أن المادة 44 في قانون الترشح عن الدائرة الانتخابية تنص على أنه "يجوز لمن توافرت فيه الشروط ليكون عضواً في مجلس النواب أن يرشّح نفسه في أي دائرة انتخابية غير أنه لا يجوز أن يرشّح نفسه في غير دائرة انتخابية واحدة في آن واحد".

ولا يرى مرقص دستورياً أن في هذه الخطوة ضرب للنسبية بين المناطق، لأن النائب هو ممثل الأمة جمعاء وليس ممثل عن منطقة، فالمشكلة هي في الثقافة الانتخابية وفي نظرة الناخبين إلى النائب والتي عادةً ما يُنظر إليه وكأنه رئيس بلدية أو مختار. بينما دور النائب ليس خدماتي بل دوره التشريع، الرقابة المالية ومساءلة الحكومة، ويقوم بهذه المهام على المستوى الوطني العريض وليس على مستوى منطقته.

ويلفت إلى أن تقسيم النواب بحسب المناطق يكون عادةً وفقاً لعدد الناخبين ولكن في القوانين الانتخابية الأخيرة لم يعد هناك مبدأ واضح، إذ صارت تدخل الأيادي السياسية على التقطيع الانتخابي أو على ما يسمى بالجغرافية الانتخابية، وأصبحت المقاعد محسوبة من قبل السياسيين وسلطتهم التقديرية.

ومن هنا، يمكن أن نفهم لعبة توزيع المقاعد النيابية على الدوائر، وهي لعبة سياسية بامتياز، رتبت السلطة الحاكمة أحجارها (نوابها) كما يتوافق مع مصالحها على رقعة شطرنج بمساحة وطن. 

لا نحاول تكريس المناطقية في هذا الموضوع، كما قد يخطر ببال أحد القرّاء، بل نحاول التفتيش عن مخرج يقينا شرّ الطائفية العمياء لا أكثر ولا أقل. لا سيما أن الفقرتين (ب، ج) من المادة 24 لا تختلفان في الصياغة اللغوية، فلماذا مبدأ "حيث لا منع يوجد إباحة" لا ينطبق على الفقرة (ب) التي توزّع المقاعد نسبياً بين مذاهب كل طائفة ؟!