لا شكّ في أنّ القانونَ الانتخابي الجديد القائم على النسبيّة على أساس 15 دائرة سيُعطي معظم الأحزاب فرصة المنافسة في مناطق كانت ضعيفة فيها أو حتى محظورة، لكنّ المحرّمات السياسية سقطت بعد خلطة التحالفات الأخيرة
 

في نظرة كاريكاتورية، يُشبه الوضعُ اللبناني الى حدٍّ كبير مرحلة العام 1989 وما تبعها من تغيّر في النظام العالمي والتنافس بين العملاقين، الولايات المتحدة الأميركية والإتحاد السوفياتي. في تلك الفترة سقط جدار برلين وانهار الإتحاد السوفياتي ولم يبقَ منه سوى روسيا وحُلّ حلف وارسو الذي أنشأه السوفيات، في حين سيطرت أميركا على السياسة العالمية واستمرّ حلف شمال الأطلسي، وباتت غالبية الدول الشيوعية تحت جناح واشنطن.

لبنانياً، إنهار تحالف «14 آذار» وتفرّقت القوى التي كانت تحت جناحه، في حين سيطر «حزب الله» على مفاصل السياسة الداخلية وشارك في حروب المنطقة، وحافظ على تحالف قوى «8 آذار»، لكنّ المفارقة أنّ الصورة معكوسة لبنانياً، فـ«14 آذار» التي يشبه وضعُها وضعَ الإتحاد السوفياتي كانت على علاقة وثيقة بواشنطن، لكنها لم تستطع الصمود وتحقيق مشروعها السياسي السيادي، بينما «حزب الله» الذي يترأس تحالف «8 آذار» انتصر داخلياً مثلما انتصرت أميركا في الحرب الباردة، وهو حليف روسيا في المعركة السورية.

تلك المفارقة تجعل من بعض قوى «14 آذار» في مرحلة مراجعة الحسابات، وهنا قد يكون الضياع الذي يعاني منه التيار السيادي السابق مفهوماً، لأنّ حجم التغيّرات السياسية كان كبيراً جداً، وبغض النظر عن انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية وما تبعه من تحوّلات سياسية، فإنّ إعلان كلٍّ من تيار «المستقبل» و»التيار الوطني الحرّ» تحالفهما إنتخابياً يترك إرتباكاً سياسياً عند صفوف الحلفاء قبل الخصوم.

وهنا يُطرح تحدٍّ كبير، وهو إعادة تجميع القوى المسيحية أولاً، والوطنية ثانياً، فحزب الكتائب اللبنانية أمام اختبارٍ جدّي، فهل يختار أن يكمل الطريق مع المجتمع المدني أم إنه سينسج تحالفات سياسية ومناطقية مع شخصيات وأحزاب، لعلّ أبرزها «القوات اللبنانية».

ومع الضجيج الذي يحدث بالتوازي مع الكلام عن تحالفات إنتخابية قواتية- كتائبية محتملة، تشير المعلومات الى أنّ هذا الأمر ما زال بعيداً كل البعد من أن يتحقّق، إلّا إذا حصل تطوّرٌ نوعيّ قد يجمعهما، ويرى البعض أنه حتى لو اجتمعا في لوائح واحدة وانسحب أحدهما للآخر فإنّ الخوف هو من عدم التزام الناخبين الحزبيّين، خصوصاً أنّ الخلافات بلغت الذروة في المرحلة السابقة، وعلى كل فريق إقناع محازبيه بأهمية التحالف اليوم بعدما جهد منذ أكثر من سنة لإقناعهم بخياراته السياسية التي اتّخذها في حينها.

وينتظر البعض تدخّلاً أكبر من أجل إعادة لمّ الشمل، لكن حتى الساعة ليس واضحاً ما سيكون عليه هذا التدخّل، وما هي الإستراتيجية التي تضعها كل سفارة مؤثرة في الشؤون اللبنانية للتعامل مع الإستحقاق الإنتخابي.

وعليه، لن تكون معركة المعارضة سهلة لأنّه حتى الساعة لم تُشكّل معارضة موحّدة تتّفق على برنامج عمل، رغم الإتفاق على الأفكار الأساسية، ولم تُلتقط صورة لزعماء المعارضة التي يجب أن تكون عابرة للطوائف لا أن تقتصر على بعض المسيحيين والسنّة، في حين أنّ عدداً من القوى، غير «القوات اللبنانية»، يدّعي أنه معارضة بينما هو مشارِك في الحكومة.

وأمام ضياع المعارضة وانقسامها الى معارضات لكل واحدة منها أهدافها ورغباتها، هناك مشهد موحَّد لأهل السلطة يترجمه في الدرجة الأولى الرئيس عون ورئيس الحكومة سعد الحريري وهو المتمسّك بشعار الحفاظ على الإستقرار ويؤيّده جميع اللبنانيين، ما يجعل معركة المعارضات صعبة ومنقسمة على ذاتها مع استبعاد تحقيق أيّ خرق يُذكر إذا لم تعالج وضعيّتها سريعاً.