بعد أكثر من أسبوعين على غرق مناطق لبنانية عدة بالعتمة نتيجة إضراب مستخدمي وعمال كهرباء لبنان عن عملهم، مطالبةً بحقوقهم من سلسلة الرتب والرواتب. عادت هذه الكهرباء لمناطق من دون أخرى، كبعض القرى العكارية ومدينة صور، على مبدأ "الخيار والفقوس" بجهود شركات خاصة استقدمتها جهات سياسية فاعلة للإعلان عن مواجهة بين الجهتَين لم تخلُ من ثقافة العنتريات وتكسير الرؤوس.

بينما تفاءل أهالي المناطق المظلمة التي لم تدخل بازار المزايدات السياسية خيراً بإعلان رئيس الاتحاد العمالي العام بشارة الأسمر بعد سلسلة اجتماعات في وزارة الطاقة أن أزمة الكهرباء في طريقها إلى الحل، إذ تم الاتفاق على إعطاء زيادة مئوية ترضي العاملين في مؤسسة كهرباء لبنان وبالتالي استئناف إصلاح أعطال الكهرباء. وهو الاتفاق الذي استُكمل البحث فيه ووضعت النقاط على حروفه في اجتماع أمس بين وزيري الطاقة والمال سيزار أبي خليل وعلي حسن خليل.

إلا أن ما لا يعرفه المواطن الذي يناشد حقه بالنور في مطلع العام 2018 أن ذلك الاتفاق لا يعني حل أزمة الكهرباء في كل المناطق المتضررة من الأزمة، فما خفي في هذه القضية كان أعظم مما ظهر للعلن.

قالها رئيس مجلس النواب نبيه برّي أمام زواره واصفاً ما يجري بأنه "مسألة ابتزاز للإبقاء على شركة دباس رغم أن عقدها قد انتهى وحتى الآن وزير الطاقة لم يجرِ مناقصة جديدة". علماً أن هناك اتفاقا بين المستقبل والتيار الوطني على تجديد عقد شركة "دباس" وهو التجديد الذي يرفضه بري لأسباب عدة.

بحسب معلومات "ليبانون ديبايت" إن عقد شركة دباس مع وزارة الطاقة قد انتهى مطلع العام الحالي وطلبت الشركة من كل موظفيها تسليم آليات ومولدات ومعدات الشركة للمبنى الرئيسي بتاريخ 1/1/2018.

كما وطالبت عمالها بالعودة إلى منازلهم لأن الدولة لم تجدد العقد معها بعد، وأمْلت عليهم الانتظار لفترة ثلاثة أشهر ليتبين ما إن كانت الدولة ستجدد عقد التلزيم معها أم لا. 

و"دباس" هي إحدى شركات تقديم الخدمات تقوم بأعمال الصيانة وتصليح الأعطال في جبل لبنان الجنوبي وجنوب لبنان. وتفيد مصادر مطلعة أن الشركة مقرّبة من التيار الوطني الحر، وأخَذَ قرار تجديد عقدها مع وزارة الطاقة جدلاً واسعاً نتيجة الخلاف بين الوطني الحر وحركة أمل، وما فجّر الموضوع أكثر وزاده تعقيداً أزمة مرسوم الضباط بين رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري.

وفي المحصلة أنه ونتيجة الخلاف السياسي بين الرئيسَين عون وبري الذي لا يبدو أن هناك مداً منظور لنهايته، هناك أولاً عمال عاطلون عن العمل ينتظرون تجديد عقد التلزيم للشركة التي يعملون لصالحها منذ سنوات. وبالتالي هناك مصير لقمة عيش عائلات على المحكّ. وثانياً هناك مناطق تغرق بالظلام وتعيش من دون كهرباء منذ أسابيع لأن خلافا سياسيا قرر تلوين حياة المواطنين بلون جدليته.

وتجدر الإشارة إلى أن نصيب المعاناة الأكبر مع الأعطال هو في بعض بلديات الضاحية الجنوبية كون نسبة الأعطال فيها مرتفعة جداً نتيجة الكثافة السكانية والضغط الناجم عن التعديات على الشبكة، إذ يلجأ بعض سكان هذه المناطق لتقليع شوك أزمة الكهرباء بأيديهم، كأن يجمعوا التبرعات من بعضهم البعض لتصليح بعض الأعطال الحاصلة في أحيائهم على حسابهم الخاص. 

فهل يحيّد فريقا الرئيسين ملف الكهرباء عن جدالهما البيزنطي، أم أن حيوية هذا الملف لن تنأى به عن الخلافات السياسية مهما طال أمدها؟