موجة الاحتجاجات العارمة التي انفجرت في الشارع الإيراني ليست من دون تأثير على الداخل العراقي الذي ربطته الطبقة الحاكمة في العراق عضويا بإيران وبسياساتها، وهي ذات الطبقة التي تخشى اليوم أن يشملها غضب شعبي مماثل لذلك الذي يجري في إيران على قاعدة أن نفس الأسباب تؤدي إلى نفس النتائج
 

عكس تعليق مقتضب من رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي على موجة الاحتجاجات العارمة في إيران، مقدار حذر الأحزاب والشخصيات الشيعية العراقية ذات الارتباطات السياسية والأيديولوجية الكبيرة بطهران، وترقّبها لما ستؤول إليه موجة الغضب تلك، وما يمكن أن تجرّه من تأثيرات على الداخل العراقي.

ووصف المالكي الذي يتزّعم حزب الدعوة الإسلامية، في منشور لمكتبه الإعلامي على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، ما يجري في إيران بأنّه “شأن داخلي”، مستدركا بأنّ “أعداء إيران يحاولون إثارة الشغب والإرباك”، وداعيا إلى “التهدئة واتخاذ الإجراءات المناسبة التي تصبّ في مصلحة الشعب الإيراني الصديق”.

وترتبط عدّة أحزاب شيعية عراقية على غرار حزب الدعوة المذكور بشكل كبير بإيران التي احتضنتها حين كانت في جبهة المعارضة لنظام الرئيس الأسبق صدام حسين. ومنذ سقوط ذلك النظام سنة 2003 إثر الغزو الأميركي للعراق وصعود تلك الأحزاب إلى السلطة واصلت طهران دعمها ما ساعد على تثبيتها في مواقع قيادة البلاد، ولتكون من بين الأذرع الإيرانية الساهرة على تأمين الدور الإيراني في المنطقة العربية.

وما يضاعف من قلق تلك الأحزاب أنّ موجة الاحتجاجات العارمة في إيران، لم تقتصر على رفع الشعارات المطلبية المتعلّقة بتحسين الظروف المعيشية الصعبة للإيرانيين، بل امتدّت إلى السياسات الإقليمية المتبعة من قبل النظام الإيراني، على اعتبار أن تدخّل إيران في بلدان جوارها العربي له ضريبة مادية ويمثّل وجها من وجوه إهدار ثروة البلاد على دعم الأحزاب والميليشيات في بلدان مثل العراق ولبنان وسوريا واليمن.

ومثّلت الشعارات المرفوعة من قبل المحتجّين الإيرانيين والمطالبة بالاهتمام بأوضاع الشعب بدل التدخّل في شؤون بلدان الجوار، سندا كبيرا للأصوات العراقية المنادية بفكّ الارتباط بإيران، بما في ذلك أصوات صادرة من داخل الأوساط الشيعية ذاتها.

ويدور داخل العائلة السياسية الشيعية صراع شرس على السلطة، تعتبر إيران طرفا فيه بدعمها شخصيات وأحزاب على حساب أخرى، في محاولة لتثبيت من تعتبرهم موضع ثقتها وحرّاسا أمناء على نفوذها داخل البلاد.

ويعتبر نوري المالكي إلى جانب عدد من كبار قادة الميليشيات الشيعية مثل هادي العامري زعيم ميليشيا بدر، وقيس الخزعلي زعيم ميليشيا عصائب أهل الحق، من بين الشخصيات العراقية موضع الثقة الإيرانية، قياسا -على سبيل المثال- برئيس الوزراء الحالي حيدر العبادي، الذي أظهر خلال سنوات رئاسته للحكومة، توجّها نحو إضفاء بعض التوازن في العلاقة مع إيران ورغبة في ترميم علاقات العراق مع بلدان جواره العربي، ما جعله موضع ارتياب طهران، خصوصا وأن بعض توجّهاته السياسية حظيت بدعم دولي، وأميركي على وجه الخصوص.

تشابه في بعض العوامل التي تثير غضب الشعبين العراقي والإيراني وعلى رأسها فشل تجربة الحكم القائمة على أسس دينية
كذلك يمكن اعتبار مقتدى الصدر زعيم التيار الصدري، ضمن الشخصيات التي لم تعد تحظى بثقة نظام طهران، نظرا لبروزه كمنافس شرس لكبار الأذرع الإيرانية في العراق وقيادته احتجاجات شعبية مناهضة لهم ولسياساتهم.

وتخشى أوساط سياسية شيعية عراقية أن تعيد الاحتجاجات الإيرانية إيقاد موجة التظاهر في الشارع العراقي، بفعل الارتباط الكبير بين البلدين وتشابه الأسباب التي تثير غضب الشعبين وعلى رأسها فشل تجربة الحكم القائمة على أسس دينية وطائفية وانعكاس ذلك الفشل على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية.

وكانت مظاهرات شهدتها العاصمة العراقية بغداد صيف سنة 2015 تحوّلت من مجرّد الاحتجاج على سوء الأوضاع المعيشية واستشراء الفساد إلى هجوم مباشر على التدخّل الإيراني في العراق من خلال رفع شعار “إيران برّة برّة.. بغداد تبقى حرّة”.

وتردّد الشعار ذاته بعد ذلك في مظاهرات شهدتها مناطق ومدن ذات غالبية شيعية مثل الديوانية والبصرة ما اعتبر بمثابة إنذار بتصاعد الغضب في الأوساط الشعبية العراقية، بما فيها الوسط الشيعي، من سياسات إيران وتدخّلها في البلد، ودليلا على وعي رجل الشارع العراقي بمسؤولية طهران عما آلت إليه الأوضاع في العراق من سوء على مختلف المستويات.

ويقول مطلّعون على الشأن العراقي إن موجة الغضب من الرموز السياسية الشيعية بصدد التحوّل إلى تيار تتمثل خصوصيته في اختراقه الشارع الشيعي المفترض -نظريا- موالاته لطهران على أساس عقائدي طائفي، وباعتباره موجّها من قبل قيادات سياسية ودينية تعلن الولاء الصريح لإيران.

ولا تقتصر موجة الغضب من إيران على رجل الشارع الشيعي بل تمتد إلى عدد من النخب السياسية والدينية حيث لا تخلو الساحة العراقية من مراجع ورجال دين شيعة معارضين للعملية السياسية ورموزها، و”متمرّدين” على التبعية لإيران معتبرين العراق مصدر التشيّع وأصله، وأن المنطق السليم يقتضي أن يكون التأثير من العراق باتجاه إيران، ومن النجف باتجاه قم، وليس العكس.

ويرصد متابعون للشأن العراقي تنامي تيار مناهضة إيران في العراق، بفعل تراكمات 14 سنة من وقوع البلد ضمن دائرة التأثير الإيراني، وهي فترة سلبية على مختلف المستويات السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية، ما جعل ذلك التيار يجد له أتباعا ليس فقط داخل بعض الأوساط الدينية الشيعية الرافضة للتبعية لمراجع إيران، ولكن أيضا داخل أوساط سياسية شيعية إمّا غير مرضي عليها من قبل طهران وحُرمت بفعل ذلك من المشاركة في السلطة، وإمّا لكون بعض رموزها من دعاة الدولة المدنية.