فيما كثر الحديث في المدة الأخيرة عن تراجع أعداد اللاجئين السوريين في لبنان إلى أقل من مليون شخص للمرة الأولى منذ عام 2014، وفق مصادر مختلفة وخصوصاً مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين التي قالت المتحدثة باسمها في لبنان ليزا أبو خالد إنها وثقت وجود نحو 998 ألف لاجئ سوري مسجلين في لبنان، مقارنة بمليون ونحو 12 ألفاً في كانون الأول (ديسمبر) العام الماضي»، فإن مسؤولين لبنانيين جددوا أخيراً دعوة اللاجئين السوريين إلى العودة إلى بلادهم، خصوصاً بعد انحصار الحرب الجارية في مناطق محددة من بلادهم.

وعلى رغم أن الهدنة الحالية في مناطق خفض التوتر، إذا ما استمرت ستفتح المجال لعودة النازحين، عبر التحفيز طوعاً وليس قسراً، قال وزير الدولة اللبناني لشؤون النازحين معين المرعبي لـ «الحياة» إن «آخر إحصاء لديه لعدد النازحين السوريين انخفض من أصل مليون و210 آلاف إلى 980 ألفاً من المسجلين، أي بـ230 ألف نازح، منذ سنتين إلى الآن». وفيما قدر عدد الذين هاجروا إلى أوروبا وأميركا وكندا وألمانيا وأستراليا كلاجئين بـ70 ألفاً، أما الذين عادوا إلى أماكن محددة اعتبرت آمنة إلى حد ما في سورية فتجاوزوا الـ150 ألف نازح.

وزاد: «إذا أجرينا إحصاء جديداً اليوم نجد أن العدد انخفض أكثر». وتوقع مع انحسار الحرب في سورية، وتطور الأمور سلماً، أن ما بين آخر الربيع وبداية الصيف سنشهد موجات كبيرة من العائدين إلى سورية، نتيجة هذه الظروف المناخية التي تسمح بعودتهم.

ولاحظ المرعبي أن المساعدات التي تقدم للنازحين أصبحت ضئيلة جداً بسبب شح التقديمات من المانحين. وفي عام 2017 أوقف برنامج الغذاء العالمي تقديماته لعشرات ألوف العائلات، من النازحين، لمصلحة الأكثر فقراً.

وتوجه المرعبي بنداء إلى الدول العربية والعالم بأسره للوقوف إلى جانب النازحين وتقديم المساعدة العاجلة لهم، إذ إن الأزمة عالمية وليست لبنانية، إضافة إلى المسؤولية التي تقع على عاتق الأمم المتحدة ومجلس الأمن في الدفاع عن هؤلاء المدنيين، الذين هجروا قسراً من مدنهم وقراهم، وليست مسؤولية دولة صغيرة مثل لبنان مديونة بأكثر من 80 بليون دولار، وتتحمل مسؤولية نحو مليوني نازح ولاجئ سوري وفلسطيني وعراقي.

وفي حين رأى أن السياسة المتبعة أممياً ستكون استمراراً للسياسة الحالية، لفت المرعبي إلى أن التقديمات لا تصل إلى الدولة اللبنانية وإنما إلى الأمم المتحدة والمنظمات المعنية التي تقوم بدورها بتوزيعها على النازحين.

ونظراً إلى تضارب الأرقام، فإن الحكومة اللبنانية، لم تستكمل عملية إجراء مسح ميداني دقيق وعلمي لأعداد النازحين في لبنان بعد حصول بعض الخلل في الماضي، إذ كان من شأن الخطة التي كان يعمل عليها، وعنوانها «بطاقة معلومات عن النازح السوري»، تقوم على عملية مسح إلكتروني دقيقة وشاملة لكل نازح، يتيح الحصول على كل المعلومات عن كل فرد.

وقال المرعبي في هذا السياق: «مع الأسف في السياسة العامة لم نصل في الحكومة إلى اتفاق على إجراء المسح للإخوة السوريين بين من هو نازح ومن هو عامل، إذ إننا نستقبل اليوم ما يزيد على 300 ألف عامل منهم من هو نازح وغير نازح، ومنهم من له مأوى ومن يأتي ويغادر»، لافتاً إلى أن «تسجيل وتحديد وتصنيف السوريين يسهل عودتهم في المرحلة المقبلة، وهو لمصلحة لبنان واللبنانيين».

وأضاف: «عدم التوافق في هذه المواضيع لا يسهل ولا يسرع في العودة. وهنا تواجهنا بعض الصعوبات، إضافة إلى عدم تسجيل الولادات الحديثة، إذ إن قانون الأحوال الشخصية في لبنان لا يسمح بتسجيلها بطريقة سهلة، فهي تتطلب إجراءات قضائية وفحوص «دي أن أي» وغير ذلك، وهذا ما يصعب العودة أيضاً»، مقدراً عدد الولادات سنويا بـ25 ألفاً».

ومما يعزز تراجع عودة النازحين، تحدثت معلومات عن أن وزير الدولة السوري لشؤون المصالحة الوطنية علي حيدر زار آخر الشهر الماضي، قرى جنوبية ومنها بلدة صريفا، ودعا النازحين السوريين وهم من حلب وحماة، إلى العودة إلى بلداتهم التي تشهد استقراراً»، مؤكداً أن « الكثير من هؤلاء النازحين بدأوا حزم أمتعتهم للعودة».

وقد أكد مصدر عسكري لـ «الحياة» الزيارة من دون ذكر لقاء الوزير حيدر بالنازحين.

وفي بلدة شبعا اللبنانية الواقعة في سفوح جبل الشيخ تتحضر مئات العائلات السورية للعودة إلى مناطقها في بيت جن في المقلب الآخر من الجهة المقابلة داخل الأراضي السورية، المحاذية لهضبة الجولان المحتلة، بعدما نزحت منها خلال السنوات الماضية بفعل ضراوة المعارك التي دارت بين القوات النظامية السورية والفصائل المعارضة.

وأكد سكان لبنانيون من شبعا لـ «الحياة» أن كثراً من النازحين بدأوا يحزمون أمتعتهم، للمغادرة إلى بيوتهم، وينتظرون استتباب الأمن في هذه المنطقة بعد انتهاء الاشتباكات، بموجب اتفاق بين القوات الحكومية، وفصائل المعارضة.

ويقول حامد السعدي لـ «الحياة» وهو لاجئ سوري من مزرعة بيت جن إنه على تواصل مع أقرباء له في المزرعة، أبلغوه أن في إمكانه العودة إلى منزله، الذي ما زال يصلح للسكن وأن تضرر جزئياً. لكن ما يحول دون عودته في الوقت الراهن، الطبيعة القاسية في منطقة شبعا والثلوج التي بدأت تكسو الجبال، إذ إنه لا يملك وسيلة نقل، غير البغال التي استخدمها وعائلته حين لجأ إلى شبعا، خصوصاً أن المنطقة وعرة والمسافة التي سيقطعها تتجاوز العشرة كيلومترات. ويؤكد في الوقت نفسه أن كثراً من أبناء منطقته الذين يملكون سيارات بيك أب، أخطروا أصحاب المنازل التي استأجروها بتركها الشهر الجاري، وأنهم بدأوا الاستعداد للمغادرة عبر منطقة البقاع- المصنع، على رغم بعد المسافة، لكنهم ينتظرون اتصالاً من أقربائهم، بتأكيد أن العودة أصبحت آمنة.