العجيب الغريب، كيف وصل رواد الحرية وأبطال الإصلاح إلى هذا الدرك في امتهان الحريات العامة والاستخفاف بعقول الناس، وكرامتهم أولاً وأخيراً
 

أولاً: الوزير جريصاتي ... التهديدات العارية...

في زحلة، مدينة السحر والجمال، مدينة السلام والزهور، مدينة الشعر والأدب والظرف، مدينة سعيد عقل وآل المعلوف ونجيب حنكش، مدينة الإبداع ودُرّة البقاع، في زحلة وقف بالأمس وزير العدل القاضي سليم جريصاتي، محاولاً أن يلقي خطاباً نارياً بلغة "أدبية" وشجاعة موصوفة، فإذا به يهوي إلى مدارك التهديدات العارية (الموجّهة هذه الأيام لأهل الإعلام). "عليكم أن لا تتحدّونا في تطبيق القوانين، عليكم أن لا ترفعوا في وجهنا حرية الإعلام وتتحدونا، على من تقرأون مزاميركم! على رواد الحرية؟ على دولة الإصلاح؟! عليكم أن تتعودوا على دولة القضاء، دولة القوانين والمؤسسات، بدكم تتعودوا على دولة المساءلة، ولا خيمة فوق رأس أحد (من معارضينا طبعاً). عليكم حُسن الامتثال لإجراءات القضاء وقوانينه وأحكامه". نعم، بدكم تتعودوا، دولة وزير العدل قادمة.
لم يرد في خطاب معالي الوزير كلمة واحدة عن حقوق المواطن التي كفلها الدستور، حرية التعبير والرأي والمثول أمام قضاءٍ نزيه مستقلٍ وغير مُسيّس، مزمور واحد يعزف لحنه وزير العدل، لحن التهديدات والتبشير بالويل والثبور لكل من لم يتعود الامتثال لمنظومة قوانين "يُطرّزها" الوزير بالانتقائية والتدخلات المجافية لروح العدالة والشفافية والمساواة، ممّا جعل الكثيرين يترحمون على أيام الوزير السابق عدنان عضوم الغابرة.

إقرأ أيضًا: الرئيسان عون وبرّي ومارون عبود ومعّاز الضيعة

ثانياً: الوزير الياس أبو صعب في كلام الناس ...البراغماتية الدعائية...

في نفس اليوم، ولم تمض ساعاتٌ على خطاب جريصاتي، حتى خرج الوزير السابق الياس أبو صعب مع الإعلامي مارسال غانم في برنامجه الملاحق بسببه، ليتلو فعل الندامة على ما لحق من هوانٍ وضرر بالحريات الإعلامية على يد العهد الجديد، بعد الاستدعاءات المتلاحقة للصحافيين والاعلاميّين، وآخرها استدعاء مارسال غانم بصورة تعسّفية ومهينة.
خرج أبو صعب ليقول ويؤكّد ويُعيد بأنّ فخامة رئيس الجمهورية ومعالي رئيس التيار الوطني هما في طليعة المدافعين عن الحريات العامة وفي طليعتها الإعلامية، الحريات عند أبي صعب مقدّسة ومصانة برعاية فخامة الرئيس، كذلك القضاء وقوانينه وإجراءاته هي مصانة بالقدر ذاته، وما علينا سوى "المناورة والمداورة" كي لا يربح أحد ويخسر أحد، (لا يموت الذئب ولا يفنى الغنم)، ينصح أبو صعب باعتماد أسلوب التسويات و"اللفلفات" كلما طفت على السطح فضيحة صارخة، يجب التّستُر عليها، وفي النهاية النتيجة ذاتها، العودة لعند وزير العدل، التّعوُد على طأطأة الرؤوس، والإكتفاء بالمثول "المؤدّب" أمام القضاء، لعلّه يكون رحوماً غفورا.
العجيب الغريب، كيف وصل رواد الحرية وأبطال الإصلاح إلى هذا الدرك في امتهان الحريات العامة والاستخفاف بعقول الناس، وكرامتهم أولاً وأخيراً.
قال الإمام علي بن أبي طالب (ر): "لئن انتصر الباطلُ، فقديماً فعل، ولئن انتصر الحقُّ، فعسى ولعلّ".