قدمت حادثة اغتيال الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح، الاثنين، دليلا نهائيا للمجتمع الدولي حول الجهة الحقيقية التي تمنع نهاية الصراع في اليمن، فبعد أن تدارك صالح خطيئته بتحالفه مع الحوثيين، وأعرب عن فتح صفحة جديدة مع محيطه الخليجي تستوجب الحد من الخطر الإيراني، تتدخل طهران عبر وكلائها، الجماعة المتمردة في اليمن، وتقوم بتصفيته في خطوة انتقامية تتجاوز العرف الدولي في الحروب. وتؤكد حادثة الاغتيال الغادرة أنه لن يتحقق الاستقرار باليمن إلا بعد استعادته من العبث الإيراني والحسابات الميليشياوية العقائدية
 

رغم المفاجأة التي شغلت وسائل الإعلام العربية والدولية إثر مقتل الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح، فإن أوساطا يمنية مطلعة اعتبرت أن الأمر يفتح الباب على مصراعيه أمام حقبة تاريخية جديدة في الصراع اليمني المندلع منذ ثلاث سنوات كما في تاريخ اليمن برمته.

وذكرت هذه الأوساط أن سقوط صالح يندرج ضمن صراع داخل التحالف “الغرائبي” الذي تم بين حزب المؤتمر الشعبي العام بقيادة الرئيس اليمني السابق وبين جماعة “أنصارالله” التي يتزعمها عبدالملك الحوثي، وأن تصفية الحسابات الداخلية في قلب تحالف الانقلابين تلقي بظلال خطيرة على استمرار هذا التحالف وتسدد ضربة هائلة ضد القوة التي تمتع بها الحوثيون منذ تمددهم من مناطقهم الشمالية في صعدة باتجاه الجنوب، مرورا بالعاصمة صنعاء في حرب أطلقوها في صيف عام 2014.

وفي ما توفر من معلومات حول عملية الاغتيال، ووفق مصدر في حزب المؤتمر الشعبي العام، الذي كان يترأسه صالح (75 عاما)، فإن الحوثيين أوقفوا موكب صالح جنوبي العاصمة صنعاء، واقتادوه بعيدا عن حراسته بنحو أمتار، ثم أطلقوا عليه النار بشكل مباشر في رأسه.

ويظهر مقطع مرئي مصور بكاميرا هاتف ذكي لأحد الحوثيين جثة صالح وقد حُملت على دثار إلى إحدى العربات العسكرية المكشوفة، فيما كان المسلحون الحوثيون يحتفلون بنهايته.

ومخاطبا جثة صالح، الذي ظهرت آثار طلق ناري على جمجمته، قال أحد الحوثيين “سيدي حسين يا صالح ما راح هدر”، في إشارة إلى مقتل مؤسس جماعة الحوثيين، زعيمها السابق حسين بدرالدين الحوثي، على أيدي القوات الحكومية يوم 10 سبتمبر 2004، خلال حكم صالح.


اغتيال غادر

نقل عن مصادر مقربة من حزب المؤتمر الشعبي أن مقتل صالح يعتبر أمرا قاسيا ومأساويا هائلا، لكن للحزب تقاليد وثقافة وعصبية وقوة تنظيمية قادرة على مواجهة هذا التحدي، وأن دوائر الحزب ستتمكن من استعادة زمام الأمور وتحديد خياراتها التنظيمية لاختيار زعيم جديد للحزب كما خياراتها السياسية والعسكرية التي تؤكد قرار صالح بالانقلاب نهائيا على الحوثيين وملاقاة الشرعية اليمنية كما التحالف العربي بقيادة السعودية.

وفي ارتباك واضح لتبرير مقتل صالح، قال محمد عبدالسلام المتحدث باسم جماعة الحوثي، الإثنين، إن الإمارات العربية المتحدة “أوصلت” الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح إلى هذه “النهاية المخزية”، في إشارة إلى مقتله.

وأضاف عبدالسلام في تصريح لقناة المسيرة التابعة لجماعته، أن “زعيم الميليشيات، صالح، وعناصره ارتكبوا جريمة كبيرة باستهداف مؤسسات الدولة وساهموا في مؤامرة خطيرة مع العدوان (في إشارة إلى التحالف العربي)”.

وأشار إلى أن “عبدالملك (الحوثي زعيم الجماعة) كان قد ناشد زعيم الميليشيات، صالح، وللأسف ظنها ضعفا وتمادى في تكبره”. وتابع “بفضل الله وتوفيقه سقطت أكبر مؤامرة أراد لها العدوان أن تطول وتتحول إلى حرب أهلية”.

وتكشف هذه التصريحات أن عملية الاغتيال لم تكن حادثا ميدانيا، بل نتيجة قرار مركزي من قيادة الجماعة، وأن إيران ليست بعيدة عن الإيعاز بتنفيذ هذه العملية المفترض أنها مفصلية وخطيرة في تاريخ اليمن.

وتقول مصادر يمنية مراقبة إن عملية اغتيال صالح جرت غدرا ويكتنفها الكثير من اللغط الذي ستكشف عنه الأيام المقبلة، وأن قرار قتل الرجل اتخذ من قبل أعلى المراجع في تنظيم الحوثيين لأسباب انتقامية تتنافى مع أبجديات الحركة السياسية في اليمن.

وتضيف هذه المصادر أن شخصيات عربية قريبة من طهران تفاجأت من عملية الاغتيال وامتعضت لهذا التطور واعتبرته حماقة تاريخية ستضع الحوثيين كما مصالح إيران في اليمن تحت مرمى المجتمع الدولي برمته.

وتقول هذه المصادر إن نصب كمين لصالح واغتياله والتمثيل بجثته وتصوير العملية وتقصّد بثها الفوري على مواقع التواصل الاجتماعي، عكست منحى انتحاريا عند الحوثيين والاتجاه لاعتبار أنفسهم “الفرقة الناجية” التي يجوز وفق عقيدتها قتل كل من يخالفها أو يرفض خياراتها.

ورأت هذه المصادر أن الحدث يخالف الأعراف التقليدية للشعب اليمني لجهة احترامها لمجموعة من المحرمات حتى في حال الاحتراب، وأن قتل الرجل بما يمثّله من امتدادات قبلية وسياسية وما كان يحظى به من وزن داخل المؤسسات السياسية والاقتصادية والعسكرية والأمنية، سيؤدي حتما إلى اصطفافات حاسمة في مواجهة الظاهرة الحوثية في البلاد.

وذكرت أوساط عربية مراقبة أنه رغم الحرب المفتوحة التي شنها التحالف العربي منذ إطلاق حملة “عاصفة الحزم” في 26 مارس 2015، فإن الغارات الجوية والهجمات الصاروخية تجنبت قتل علي عبدالله صالح وعبدالملك الحوثي رغم حصول التحالف على معلومات دقيقة حول حركة وأماكن تواجد الرجلين.

واعتبرت هذه الأوساط أن التحالف اعتبر أن الحرب هي أداة من أدوات السياسة، وأن الدعوة الدائمة التي أطلقها للعودة إلى طاولة الحوار كانت تحتاج إلى وجود صالح والحوثي للوصول إلى أفضل تسوية ممكنة.

ورأت هذه الأوساط أن اغتيال صالح من قبل الحوثيين أسقط محرمات كثيرة ليس بين اليمنيين فقط بل ستمس بنك الأهداف المقبل لعمليات التحالف.

وقال أحد أقارب الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح، مساء الإثنين، إن جماعة “أنصارالله” (الحوثيين) “فتحت على نفسها أبواب جهنم”، في تعليقه على قتل مسلحي الجماعة لصالح.

وأضاف توفيق صالح نجل شقيق الرئيس اليمني السابق، في منشور على حسابه في “فيسبوك”، إن “الثورة مستمرة والحوثيين إلى زوال ولن تنطفئ الشرارة مهما فعلوا”.وشدد على أن الشعب سيكون للحوثيين بـ”المرصاد” في كل محافظات اليمن.

ولفتت مصادر دبلوماسية يمنية إلى أن اغتيال صالح ينفي تماما ما أشاعه الحوثيون عن طلب صالح وساطة من عُمان وحزب الله، كما يؤكد أن قرار الرجل بفك التحالف مع الحوثيين كان نهائيا وليس مؤقتا بغرض تحسين الشراكة بين الانقلابين.


خطوة انتقامية

أضافت المصادر أن الحوثيين أدركوا خطورة الخطوة التي أقدم عليها صالح على مستقبلهم السياسي والعسكري، كما أدركوا تدهور الأوضاع الميدانية بالنسبة إليهم وتفاقمها المقبل بسبب هذا الحدث، وأنهم اعتقدوا أن تغييب الرجل قتلا سيؤجل واقع التدهور الذي سيطرأ على وضعهم داخل اليمن.

ويرى معلقون يمنيون أن اغتيال علي عبدالله صالح ينهي حقبة سوداء صاحبت خيارات الرجل في تحالفه مع الحوثيين بعد أن خاض ضدهم ست حروب حين كان رئيسا للبلاد، وأن موت الرجل قتلا يسدد ضربة قاضية إلى صورة السياسي الحذق والمناور الذي تعوّد الخروج من معاركه السياسية والعسكرية سالما، والذي أجاد خلال أكثر من ثلاثة عقود من حكمه للبلاد (33 عاما) عقد الصفقات وإقامة التحالفات واللعب على التناقضات داخل الفسيفساء اليمني الشديد التعقيد.

وقال باحثون في الشأن اليمني إن اغتيال صالح سحب العامل المذهبي نهائيا من حيثيات الصراع اليمني، كما أعاد رسم الخطوط بين اليمنيين بحيث تحوّل الصراع في مجمله إلى هويته الداخلية بين من سيدافع عن اليمن الجمهوري وبين من يريد إعادة اليمن إلى ماض إمامي غابر يأخذ في الوقت الراهن ثوبا مذهبيا شيعيا إثني عشريا يحلم بالتبعية الكاملة لحكم الولي الفقيه في إيران.

وأضاف هؤلاء أن غياب صالح سيعيد ترتيب الصفوف اليمنية الوطنية، بحيث تنضم إلى صفوفها قبائل وقطاعات ومشارب كانت لديها شكوك بعلي عبدالله صالح ولا تثق بمناوراته.

وقال سفير المملكة العربية السعودية لدى اليمن، الإثنين، محمد سعيد آل جابر، إن “الجرائم التي ترتكبها جماعة الحوثيين ونقضهم للعهود التي يقطعونها على أنفسهم هما جزء من تربيتهم الإيرانية”.

وأضاف السفير آل جابر، بحسب قناة “الإخبارية” السعودية “نحن دوما مع شعب اليمن مهما حدث من جرائم حوثية”.

وكشفت مصادر قريبة من الرئاسة الشرعية اليمنية أن الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي والحكومة اليمنية برئاسة أحمد عبيد بن دغر سيتخذان سلسلة قرارات وتدابير من شأنها توسيع الجبهة اليمنية الداخلية في مواجهة الحوثيين، واعتبار الصراع شأنا وطنيا هدفه تحرير البلد من جماعة تشد البلد نحو الظلامية وهدفه طرد النفوذ الإيراني نهائيا من اليمن، وأن الحريق الذي شب في مبنى السفارة الإيرانية في صنعاء إثر تعرضها الإثنين لهجوم يحمل رمزية هامة في هذا الصدد.

وقالت هذه المصادر إن “تنسيقا تاما سيجري بين مؤسسات الدولة الشرعية وقوات التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية لخوض حرب شاملة على كافة الجبهات يشارك فيها كل اليمنيين الوطنيين”.

وكانت الرئاسة اليمنية أعلنت أن الرئيس عبدربه منصور هادي أمر الاثنين بإطلاق عملية عسكرية واسعة لاستعادة السيطرة على صنعاء، بدعم من التحالف العسكري الذي تقوده السعودية، حسب ما أعلن مصدر في الرئاسة اليمنية.

وفي الوقت ذاته، طلب التحالف بقيادة السعودية من المدنيين في صنعاء إخلاء أماكنهم القريبة من مواقع تمركز الحوثيين، في إشارة إلى احتمال تكثيف الغارات الجوية على صنعاء.

وأفاد المصدر في الرئاسة أن “الرئيس هادي أصدر توجيهات إلى نائب الرئيس الفريق علي محسن الأحمر المتواجد في مأرب بسرعة تقدم الوحدات العسكرية للجيش الوطني والمقاومة الشعبية نحو العاصمة صنعاء”.

ونقلت قناة “الإخبارية” السعودية عن التحالف قوله إن “الابتعاد عن آليات وتجمعات” الحوثيين يجب “ألا يقل عن 500 متر” من المناطق الخاضعة لسيطرتهم.

ورأت مراجع دبلوماسية غربية أن مقتل صالح قدم دليلا نهائيا للمجتمع الدولي حول الجهة الحقيقية التي تمنع نهاية الصراع في اليمن، والجهة التي لا يمكن التعويل على أي تفاهم معها، طالما أنها تصرفت تصرف عصابات المافيا في معاقبة العصاة وليس تصرف القوى السياسية الراشدة والتي تأخذ بعين الاعتبار مصالح القوى السياسية الأخرى في داخل اليمن كما في خارجه.

وقالت هذه المراجع إن المواقف التي صدرت مؤخرا عن الأمم المتحدة كما عن بعض العواصم الغربية حول الكارثة الإنسانية في اليمن ومسؤولية دول التحالف في ذلك، سقطت نهائيا، وأن المجتمع الدولي بات يعتبر أن إنهاء هذه الحرب كفيل بفتح المنافذ جميعها، ولن يتم إنهاء هذه الحرب إلا بعد القضاء على الحوثيين كقوة تعطيل للسلم وبعد وقف الأجندة الإيرانية في اليمن والتي لا تمر إلا من خلال جماعة “أنصارالله” وزعيمها.

وتوقعت مصادر أوروبية أن تتموضع المجموعة الدولية وفق هذا المعطى الجديد وأن تتجه بشكل حاسم لا لبس فيه لدعم الشرعية اليمنية ودعم قوات التحالف العربي خلال الساعات المقبلة.

ورأت هذه المصادر أن بعض العواصم الغربية كانت ومازالت تعول على علي عبدالله صالح كشريك ممكن لأي تسوية في اليمن كان يعمل عليها موفد الأمم المتحدة إسماعيل ولد الشيخ أحمد، وأن اغتيال الرجل شكّل صدمة داخل كواليس المشتغلين على الشأن اليمني.

وأضافت هذه المصادر أن تلك الوزارات أدخلت تقييمات جديدة في تقاريرها وتوصياتها وبدأت ومنذ اللحظات الأولى لشيوع خبر الاغتيال بإعداد البدائل الداعية إلى انتهاج سياسات غير مترددة لمساعدة اليمن ومؤسساته الشرعية على استعادة البلاد من العبث الإيراني والحسابات الميليشياوية العقائدية.