كان سامر ولداً شقياً جداً، لم يترك حماقة إلّا وارتكبها خلال فترة المراهقة، حتّى إنه رمى يوماً البيض على غسيل الجارة النظيف بعدما نشرته على شرفة منزلها. هو طُرد من أكثر من مدرسة ولم يكمّل تحصيله العلمي. عاش مراهقةً تخلّلتها الأزمات إلى أبعد الحدود. فهل أسّست هذه المراهقة لإنسان ناضج؟ يسود اعتقادٌ لدى البعض في المجتمع بأنّ مَن يعيش مراهقة صاخبة ينضج ليصبح أكثر وعياً في سن الرشد، بينما يرجّح كثيرون أنّ عدم ميل المراهق إلى ارتكاب الحماقات يجرّه إلى مراهقة متأخّرة في سنّ البلوغ، حيث يهدم أسسَ حياته.

هل انتفاضةُ المراهَقة ضرورية ولا مفرَّ منها؟

عدم عيش المراهق أزمات تتجسّد بالصراخ، وتفجير الغضب بأهل البيت، وسرقة سيارة الأهل قبل الحيازة على رخصة قيادة، والحصول على علامات سيّئة في المدرسة، وارتكاب الهفوات على الصعيدَين العاطفي والجنسي... لا يعني أبداً أنّ الانسان سيمرّ في المستقبل بهذه المراحل التي تخطاها. إنّ أزمات المراهقة لا تحتّم على الانسان عيشها، بل تشكل مرحلة يمرّ بها بعض المراهقين أو حتّى الراشدون.

لانتفاضة المراهق أسباب

التمرّد المرتبط تقليدياً بفترة المراهقة لا يطرأ صدفة بل من رحم منزل وتربية وعائلة تهيّئ للمراهق أجواء تدفعه إلى الانتفاضة. بحسب بعض الخبراء يتمرّد المراهق بسبب قسوة أهله عليه، وعندما يحرمونه من فرض شخصيته ولا يأخذون رغباته بعين الاعتبار، ولا يتفهّمونه. هو قد يميل إلى رفضهم ورفض توجيهاتهم ونصائحهم وتربيتهم، ولكن ربما يرضخ لشروطهم القاسية وينمّي ثورة في داخله لا يفجّرها من خلال التمرّد.

هل يطرأ التمرّد مرة واحدة في الحياة؟

يؤكد خبراء فرنسيون، أنّ أزمات المراهقة تختلف بين شخص وآخر ووضع وآخر. يمكن أن يثور الانسان على القيَم الاجتماعية السائدة في سن المراهقة وسن البلوغ، وربّما لا يثور أبداً. كما أنّ عيش الانتفاضة في سن المراهقة لا يحمي الشخص منها في سن الرشد كما يعتقد الكثيرون.

بالنسبة لـ"سامر" مثلاً عبثاً اعتقد أهلُه أنّ انتفاضته وثورته على المقرّبين منه والمجتمع وأبسط أسس التربية والأخلاق ستحوّله في المستقبل إلى شخص أكثرَ نضجاً بعد أن يكون عاش الحياة على هواه.

إنّ تأسيس شخصيته على نحو يفتقد لأبسط قواعد الأخلاق منذ الصغر جعله يتوق دائماً إلى تخطّي القيَم وارتكاب الممنوعات في الكبر، من خيانة الشريك والسرقة وصولاً إلى صرف الأموال الطائلة في لعب الميسر والقيادة بسرعة جنونية... فلا يطمئن والدا المراهق المنحرف وينامان على حرير مقتنعَين بأنّ ولدهما يمرّ بمرحلة انتقالية ستجعله انساناً أفضل في المستقبل وتحميه من آثار التمرّد في سنّ الرشد، خصوصاً أنّ شخصيّته نُحتت بشكل منحرف.

ولكن، يُذكَر أنّ عيشَ المراهق فترة انتفاضة لا تعرضّه حتماً لاستكمالها طوال حياته، إذ إنّ هذه المرحلة كانت عابرة في حياة كثيرين تمكّنوا بعدها من التصالح مع ذواتهم ومحيطهم والمجتمع والسير نحو النجاح. إلّا أنّ أزمة المراهقة التي لم تندمل جراحُها جيداً تُعرّض الانسان لأزمة أخرى في سنّ الرشد، بسبب جروج أو مشكلات نفسية لم تتم معالجتُها أو نقصٌ متراكم في الثقة بالنفس.

ما سببُ الانحراف في عمر البلوغ؟

وها هو فادي (40 عاماً) شرّبه أهله المعايير والقيَم التي التزم بها حرفياً خلال الطفولة والمراهقة وحتّى مطلع الثلاثينات. في هذا العمر تغيّرت أفكاره ومعتقداته وراح ينجرف مع الأصدقاء ممارِساً تصرّفاتٍ لم تكن يوماً من شيَمه... بات يُكثر من سهراته ويهوى "الضحك" على البنات وتطوّر إلى مراحل متقدّمة فصار متسكّعاً من الدرجة الأولى يهمل أعماله وطموحه المهني والشخصي ويصبّ كل ارتكازه على التسلية في الحياة.

فلماذا يطرأ التغييرُ الحقيقي على حياة مَن هم في سن 30 أو 35 أو 40... وتتغيّر هويّتهم النفسية والاجتماعية والمهنية والعاطفية... يؤكد الخبراء أنّ هذه الأزمات تتعلّق عادة بنقاط تحوّل في حياة الشخص. قد يتوه بين سمات شخصيته وعادات جديدة تعلّمها ويكون عليه أن يختارَ بين ما تعلّمه وهو طفل أو مراهق وبين ما بناه في نفسه من عادات وهو راشد. كما يتحدّث خبراء عن تجارب حياتية مصيرية تدمّر ثقة الراشد بنفسه وحبّه لذاته وتدفعه إلى الانحراف ومنها فقدانه مكانته الاجتماعية أو الإفلاس أو خسارة قريب...

إلى ذلك، انتفاضةُ الفرد الكلاسيكية في عمر الأربعين وما فوق وميله إلى تغيير حياته قد تحصل أحياناً بعدما يكون قد حقّق طموحاته المهنية والشخصية فيشعر بقلّة التحفيز والطموح. هو تعب وبات ينظر لإنجازاته بعين الرضى ولم يعد يهتم إلى المزيد من التطوّر بل يبحث عن مخرج للتسلية واللهو.

طبعاً لن يسعى الجميع إلى التخلّي عن عملهم أو عن عائلاتهم وبيتهم الزوجي وشريك أو شريكة العمر في عمر 35 أو 40، ولكنّ الخبراء يؤكّدون أنّ احتمالَ تعرّض حياة الانسان لتغيّرات وأزمات وجودية موجود في مختلف الأعمار.

حتّى سنّ التقاعد قد يحمل معه ميلاً إلى التغيير والثورة والتمرّد على الواقع. وقد تكون هذه الثورة عابرة فلا يعاني المقرّبون من تداعياتها لوقت طويل، أو جذرية تقلب حياة المتمرّد وعائلته رأساً على عقب.