ذكرت صحيفة "المستقبل" أنه بقي أمام محمد النحيلي حوالي 14 عاماً من السجن، عقاباً له بعد إدانته بقتل زوجته منال عاصي في شباط العام 2014، وذلك بعدما أصدرت محكمة التمييز الجزائية برئاسة القاضية سهير الحركة وعضوية المستشارين القاضيين نزيه شربل وناهدة خداج، حكماً مبرماً بحقه قضى بسجنه مدة 18 عاماً اشغالاً شاقة بعد تخفيضها من الاعدام مانحة بذلك المتهم سبباً تخفيفياً "بالنظر إلى المجتمع الذي يعيش فيه والتقاليد الاجتماعية الراسخة المرتبطة بشرف الزوج وفي ضوء ثبوت واقعة خيانة المغدورة فضلاً عن شخصية المتهم والإسقاط الشخصي وأقوال ابنتيه".

وبصدور حكم التمييز أمس، بعد إعادة محاكمة النحيلي إثر نقض الحكم الصادر بحقه عن محكمة الجنايات الذي قضى حينها بسجنه خمس سنوات، يتجه وكيل النحيلي المحامي أحمد بدران إلى تقديم طلب أمام الهيئة العامة لمحكمة التمييز التي تنظر في الاعتراضات على الأحكام المبرمة.

وإذا كان هذا الحكم هو الأول من نوعه بعد تفشّي ظاهرة العنف الأسري التي أفضت أخيرا إلى وقوع ضحايا من النساء، فإنه إستند في حيثياته لتجريم المتهم بالعقوبة التي أفضت إليها المحكمة، إلى تقرير الطبيب الشرعي بحيث اعتبرت ما جاء فيه من المعطيات الثابتة لا بل أنها تؤكد أن "المرحومة قد تعرضت للضرب بشراسة وعنف وضروب من التعذيب في مختلف أنحاء جسدها ومن الرأس حتى أصابع القدمين والرجلين، ما أدى بالتالي إلى وفاتها".

استعرضت المحكمة في حكمها الذي يقع في 43 صفحة، مجمل المعطيات وظروف القضية وما رافقها من ملابسات وإفادات لتخلص إلى معطيات وجدتها ثابتة في ثماني نقاط أوردتها في الحيثيات انطلاقاً من إفادة الزوج نفسه التي اعتبرت بأنه يشوبها تناقضات لجهة تعرض المغدورة للضرب من قبله بـ"طنجرة الضغط"، وذهبت إلى أبعد من ذلك في مناقشتها لهذه الواقعة التي أوردها المتهم، ورأت أنه "لو صحّت رواية المتهم المتناقضة في سرده لهذه الواقعة فإنه من الثابت في كل الأحوال بأن المتهم امتنع قصداً عن تقديم المساعدة لها لا بل استمر في ضربها ضرباً مبرحاً"، لتصل المحكمة إلى اعتبار أنه ثبت لها جزماً أن المتهم قد أقدم على ارتكاب فعل الاعتداء على المغدورة وقد توقّع حصول وفاتها قابلاً بالمخاطرة وواعياً للنتيجة الجرمية التي انتهت فعلاً بإزهاق روحها.

وردّت المحكمة في حكمها الذي صدر بالاتفاق، على دفاع المتهم حول التسبب بموت انسان من غير قصد القتل بالضرب أو العنف، معتبرة أن قيام القصد الجرمي لدى المتهم مبني على القصد الاحتمالي وهو قصد فعل الاعتداء وتوقّع النتيجة النتيجة. أما في ما خصّ طلب المتهم حول تطبيق أحكام العذر المخفف، فقد ناقشت المحكمة بإسهاب هذه المسألة ومدى مطابقتها وحال المتهم، لترى أن المشّرع قد إتبّع سياسة جنائية واضحة متدرّجة بخصوص هذا النوع من الجرائم حتى وصل إلى مرحلة إلغاء الأعذار المخففة فيها حتى وليس المحلّة فحسب في القتل أو الإيذاء لدى من يفاجئ زوجه أو أصوله أو فروعه أو أخته في تلك الحالات المريبة مع آخر على السواء.

وأمام صراحة ما ابتغاه المشرّع في إلغاء نص المادة 562 عقوبات، اعتبرت المحكمة أنه يُستقى من روح التشريع وسببه الموجب أن المشرّع قد أخذ بعين الاعتبار ردة فعل الزوج تجاه مثل هذه الحالات ومدى تأثير وطأة الغضب الشديد التي يمكن أن تُفقد صاحبها الوعي والسيطرة على الإرادة فيُقدم على قتل الامرأة المستهدفة غير آخذ بخطورة الفعل المرتكب وردة الفعل على سلوك الامرأة كمثل حال الزوج الذي يفاجئ زوجته مع آخر، إذ لم يرد المشرّع منحه العذر القانوني المخفف حتى، على أن يبقى من مجال بالطبع لمنح أسباب التخفيف وفقاً لتقدير المحاكم.

ومع ذلك، ذهبت المحكمة إلى البحث في ما أدلى به المتهم حول ثورة الغضب التي كان عليها متذرعاً بأحكام المادة 252 عقوبات باعتبارها نصاً عاماً على العذر القانوني المخفف، فاعتبرت أنه بالعودة إلى ظروف القضية وملابساتها فإنه إذا كان المتهم قد غضب لحظة معرفته بأن زوجته كانت على علاقة مع غيره وتخونه منذ سنوات ومواجهته بهذه الحقيقة إذ أقدم على التهجم عليها وضربها، إلا أنه من الثابت بالأدلة والقرائن أنه كان لديه الوقت الكافي لاسعافها بعد سقوط "طنجرة الضغط" عليها وإمعانه في ضربها وجرجرتها أرضاً ليكمل اعتداءه حتى وهي في حالة من الضعف والوهن تحت تأثير الاعتداء الشرس ليقوم على مراحل بعد مناداة أهلها الاستمرار في ذلك ومن ثم ليمتنع قصداً عن نجدتها ومنع أي شخص من التدخل فأقفل عليها ووالدتها باب المنزل تاركاً أياها لقدرها ليغادر إلى منزل والدته لشرب القهوة وحتى إلى عمله، وكان لديه متسع من الوقت للتفكير بروية والتنبه لما قد تؤول إليه حال زوجته بسبب الاعتداء الوحشي عليها وبقي ما يقارب الساعة دون أن يبادر إلى العودة لإغاثتها.