تجد تركيا نفسها وحيدة في الدفاع عن موقفها المعارض لأكراد سوريا، فبعد أن فشلت في إقناع الجانب الأميركي بالوقوف إلى جانبها وإقصاء هذا المكون من المشهد السوري، هاهي تجد نفسها أمام ذات السيناريو مع الطرف الروسي الذي يبدو هو الآخر مقتنعا بأنه لا يمكن البحث في أي حل دون هذا الطرف الذي يسيطر اليوم على قرابة ربع الأراضي السورية
 

يواجه التقارب الروسي التركي في سوريا اختبارا حقيقيا، على ضوء موقف أنقرة المعارض لدعوة موسكو الاتحاد الديمقراطي الكردي لحضور مؤتمر “الحوار الوطني السوري” المنتظر انعقاده في مدينة سوتشي في 18 من نوفمبر الجاري.

واعلنت الرئاسة التركية رفضها حضور الاتحاد، الذي تعتبره تنظيما إرهابيا، المؤتمر الأمر الذي من شأنه أن يعقد مسعى روسيا لإنجاح هذا الاستحقاق الذي ترى أنه خطوة مهمة لحل سياسي نهائي في سوريا.

وتملك تركيا قدرة كبيرة على التشويش على هذا المؤتمر لجهة تأثيرها القوي على أبرز قوى المعارضة السياسية والعسكرية ومنها الائتلاف السوري الذي يتخذ من أراضيها مقرا له.

وأعرب الائتلاف السوري لقوى الثورة والمعارضة عن رفضه مؤخرا المشاركة في مؤتمر سوتشي أو أي مؤتمر آخر خارج رعاية الأمم المتحدة.

ويرى مراقبون أن موقف الائتلاف وإن كان في جانب منه يتعلق بخشيته من سعي موسكو الالتفاف على القرارات الدولية بشأن التسوية في سوريا والسعي لإعادة تأهيل نظام الرئيس بشار الأسد، إلا أنه في جانب منه يتماهى والموقف التركي.

وكان الاتحاد الديمقراطي الكردي قد أكد موافقته على الدعوة الروسية لحضور المؤتمر الذي سيناقش وضع دستور جديد لسوريا، وشكل النظام السياسي المستقبلي لهذا البلد الذي يعاني منذ نحو سبع سنوات من حرب طاحنة خلفت أكثر من 330 ألف قتيل، فضلا عن نزوح قرابة نصف السكان في الداخل والخارج. وقال شاهوز حسن، الرئيس المشارك لحزب الاتحاد الديمقراطي، إن حزبه سينادي بتطبيق نموذجه في الحكم اللامركزي في سوريا، والذي يعتبره السبيل الوحيد لإنهاء الصراع.

وقال حسن “طرحنا مشروع الحل الفيدرالي الديمقراطي منذ منتصف مارس 2016. ونرى عدم وجود مشاريع حل دونه، وإنما تكريس للأزمة السورية”.

ولم يجزم حسن بشأن حضوره مؤتمر السلام المرتقب مؤكدا في هذا الصدد “أن أغلبية أعضاء حزب الاتحاد الديمقراطي وحلفاءه يؤيدون حاليا المشاركة”. وأضاف “بالطبع نحن نناقشها والرأي الغالب هو الحضور”.

وهذه المرة الأولى التي توجه فيها دعوة رسمية للاتحاد الديمقراطي حيث تم إقصاؤه في كل الجولات السابقة للمفاوضات السورية سواء تلك التي عقدت في جنيف أو في أستانة، وذلك استجابة للطلب التركي.

وعلّق نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف الخميس على رفض تركيا، مشاركة الاتحاد الديمقراطي في مؤتمر سوتشي بأن “هؤلاء مواطنون سوريون وليسوا أتراكا”.

وقال بوغدانوف “نحن نتناقش دائما مع الشركاء الأتراك، لأننا ننطلق من أن كل الأحزاب، الاتحاد الديمقراطي والمنظمات الكردية الأخرى في سوريا، هي منظمات سورية، يعتبر هؤلاء الأكراد مواطني الجمهورية العربية السورية، وليس الجمهورية التركية، لذلك أعتقد بأنه يجب فصل هذه النقاط”.

وتعتبر أوساط سياسية كردية أن الموقف التركي غير معقول وهو تدخل سافر في المسألة السورية، ويعكس العقلية الإقصائية لنظام الرئيس رجب طيب أردوغان.

وأشار هؤلاء إلى أن الأكراد هم أحد أبرز مكونات النسيج الاجتماعي السوري وبالتالي من حقهم التعبير عن مطالبهم وهي إقامة حكم ذاتي ضمن فيدرالية شاملة في سوريا.

وتبدو تركيا الطرف الوحيد الرافض لإشراك الأكراد في تسوية الأزمة، فروسيا والولايات المتحدة وحتى النظام السوري وإيران تبدو مقتنعة بأن حل الأزمة لا يمكن أن يتم دون أكراد هذا البلد.

وربما هذه النقطة الوحيدة التي يجمع عليها الأطراف الأربعة، خاصة وأن الأكراد اليوم يسيطرون على أكثر من 30 بالمئة من مساحة الأراضي السورية.

ويقول خبراء إن تركيا بموقفها من مشاركة الأكراد في تسوية النزاع السوري تعرض تحالفها الهش مع روسيا إلى خطر الانهيار. وتعتبر أنقرة أن أكراد سوريا وبخاصة الاتحاد الديمقراطي ومن يدور في فلكه امتداد لحزب العمال الكردستاني الذي تخوض معه حربا منذ عقود في جنوب شرق تركيا.

وكانت تركيا قد استأنفت هجماتها على مواقع حزب العمال بعد هدنة غير معلنة، وأدت تلك الهجمات إلى مقتل 25 مسلحا كرديا، وفق بيان نشر الخميس للقوات المسلحة التركية.

ويطالب حزب العمال الكردستاني بانفصال جنوب شرق تركيا، وهذا تعتبره تركيا خطا أحمر، وتخشى أنقرة من أن يتحول شمال سوريا إلى معقل رئيسي له، خاصة وأن الساحة العراقية باتت بيئة منفرة له.

وسجل في الفترة الأخيرة خروج العشرات من مقاتلي العمال من جبل سنجار في شمال العراق إلى مناطق سيطرة الاتحاد الديمقراطي وذراعه العسكرية وحدات حماية الشعب الكردي داخل الأراضي السورية.

وهذا يشكل هاجسا كبيرا بالنسبة لتركيا التي تعجز إلى حد الآن عن إيجاد حليف إقليمي أو دولي يشاطرها الموقف من أكراد سوريا.

وسبق وأن هجرت تركيا تحالفها مع الولايات المتحدة الأميركية في سوريا، بعد أن حسمت الأخيرة موقفها بالرهان على الاتحاد الديمقراطي ووحداته العسكرية، واليوم قد تجد نفسها تهجر الحليف الروسي ولذات السبب أي الأكراد، بيد أن السؤال الذي يطرح نفسه في هذه الحالة ماهي الخيارات المتوفرة أمام أنقرة؟