أعادت تصريحات نائب الرئيس الأميركي دونالد ترامب مايك بنس في ذكرى تفجير مقر المارينز في بيروت عام 1983 التساؤل حول جذور التطرف وأسبابه، وأشار بنس بأن التفجير كان الشرارة التي أطلقت الحرب على الإرهاب. ليخالف الحجة الأميركية لهاته الحرب والمتمثلة في أحداث 11 سبتمبر عام 2001. وبهذه التصريحات تفتح واشنطن ملف حزب الله منذ نشأته وتعود لمحاسبته على سجله الإرهابي ضد الولايات المتحدة منذ ثمانينات القرن الماضي. تؤكد صرامة استراتجيتها الجديدة ضد إيران وميليشياتها الذي أعلنها دونالد ترامب في 13 عشر من أكتوبر الجاري
 

وضع نائب الرئيس الاميركي مايك بنس حزب الله اللبناني بوصفه مجموعة إرهابية لا تختلف عن تنظيم القاعدة مؤكدا أن تفجير مقر المارينز في بيروت عام 1983 واسفر حينذاك عن مقتل 241 أميركيا هو واحد من سلسلة اعتداءات تشمل هجمات 11 سبتمبر 2001.

وتوقفت مصادر أميركية مراقبة عند الاستراتيجية التي تنتهجها إدارة الرئيس دونالد ترامب لمواجهة حزب الله والتي تختلف في الشكل والمضمون عن تلك التي كان معمولا بها في عهد الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما.

ورأت هذه المصادر أن “عقيدة أوباما” في التعاطي مع الملف الإيراني كانت تتوخى مداراة طهران وتشديد العقوبات على حزب الله بصفته ميليشيا تابعة لإيران.

وعلى الرغم من أن بعض المنابر اعتبر أنّ في تلك العقيدة تناقضا بنيويا، غير أن بعض المختصين لمسار العلاقات الأميركية الإيرانية فسروا الأمر بأن واشنطن تتعامل مع إيران بصفتها دولة وتقاربها بقواعد التعامل مع الدول، فيما تتعامل واشنطن مع حزب الله بصفته ميليشيا تندرج وفق التصنيف الأميركي على لوائح الإرهاب بغض النظر عن مسار المفاوضات التي كانت جارية مع طهران بشأن الاتفاق النووي.

وكان دبلوماسيون أوروبيون قد لاحظوا أن إدارة أوباما تعاملت مع ميليشيا حزب الله على نحو يختلف عن تعاملها مع ميليشيات تابعة لإيران نشطت في العراق.

ورأى هؤلاء أن واشنطن تتعامل مع امتدادات إيران على نحو انتقائي وفق ما يتناسب مع استراتيجياتها في المنطقة، بحيث أن غض الطرف عن الميليشيات في العراق، بما في ذلك “قوات الحشد الشعبي” ومكوناتها، يرتبط بالحرب التي تخوضها واشنطن على رأس التحالف الدولي لمكافحة داعش، وحاجتها إلى هذه الميليشيات في تلك الحرب.

بيد أن تبدلا كبيرا طرأ على هذه الاستراتيجية منذ دخول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض في أول العام الجاري.

الإدارة الأميركية الجديدة تتعامل مع ملف حزب الله على خلاف الإدارة السابقة، وبنفس الروح التي تتعامل بها مع إيران

تغير الاستراتيجة الأميركية

تؤكد مراكز الدراسات الأميركية أن هذا التبدل لا يعود إلى رغبات ترامب المرشح التي أعلنها أثناء حملته الانتخابية في ما يتعلق بإيران وبالاتفاق النووي، بل هو حصيلة تغير في استراتيجيات الأجهزة العسكرية والأميركية في الولايات المتحدة، وهو ما يفسر اختلاف المؤسسات الأميركية مع الرئيس الأميركي في ملفات مثل تقييد دخول مواطني دول إسلامية إلى الولايات المتحدة والعلاقة مع الحلف الأطلسي والاتحاد الأوروبي والموقف من اتفاقية المناخ ومسألة النقاش المتعلق باتفاقية نافتا…إلخ، فيما غاب الخلاف بين هذه المؤسسات على موضوع التعامل مع إيران وحزب الله.

ورأى خبراء في الشؤون الاستراتيجية أن الإدارة الأميركية تتعامل مع ملف حزب الله وعلى خلاف الإدارة السابقة، بنفس الروحية التي تتعامل بها مع الحالة الإيرانية وفق الاستراتيجية التي أعلنها الرئيس الأميركي في 13 من الشهر الجاري.

لكن اللافت أيضا أن واشنطن تعيد فتح ملف حزب الله منذ نشأته وتعود لمحاسبته على سجّله الإرهابي ضد الولايات المتحدة منذ ثمانينات القرن الماضي.

وقد كان لافتا للمراقبين في العالم تنظيم واشنطن، الإثنين، احتفال لإحياء ذكرى التفجير الذي تعرض له مقر مشاة البحرية الأميركية في بيروت منذ 34 عاما.

ورأى هؤلاء أن واشنطن تظهر الأمر بصفته حسابا قديما بينها وبين حزب الله وأنه بات من الضرورة تصفيته واعتباره تشوّها أصاب التاريخ العسكري الأميركي في تلك الفترة ولم تعمد الإدارات الأميركية المتلاحقة منذ ذاك على تصحيحه.

وقد صرّح نائب الرئيس الأميركي مايك بنس في ذلك الاحتفال أن تفجير مقر المارينز في بيروت عام 1983 كان الشرارة التي أطلقت الحرب على الإرهاب.

واعتبر المراقبون أن بنس يعلن من خلال كلماته أن الحرب على الإرهاب لم تنته بسقوط الرقة في سوريا بعد الموصل في العراق، وأن أصل هذا الإرهاب لا يبدأ بالقاعدة وبعده داعش، بل بظهور حزب الله وعملياته التي استهدفت مصالح الولايات المتحدة في الشرق الأوسط.

وفي كلمة ألقاها في أحد مقارّ المارينز في واشنطن، حمل بنس بعنف على طهران ورأى أن الهجوم الذي أسفر حينذاك عن مقتل 241 أميركيا هو واحد من سلسلة اعتداءات تشمل هجمات 11 سبتمبر عام 2001.

وقال بنس “منذ 34 عاما، دُفعت أميركا إلى الحرب ضد عدو لا يشبه أي عدو آخر واجهناه من قبل”. وأضاف أن “تفجير ثكنات بيروت شكل الشرارة التي أطلقت حربا نخوضها منذ ذلك الحين، الحرب الشاملة على الإرهاب”.

وكانت لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي قد أقرت الشهر الماضي مشروعي قانونين لتشديد العقوبات المفروضة على ميليشيات حزب الله. ويشمل المشروعان إجراءات أوسع، وأشخاصا ومؤسسات على ارتباط بميليشيات حزب الله ودول خارجية داعمة له.


واشنطن تفتح حسابا قديما بينها وبين حزب الله
وتشمل العقوبات تجميد الأصول، وحجب التعاملات المالية، ومنع إصدار تأشيرات السفر إلى الولايات المتحدة. وتسمّي مؤسسات تابعة لحزب الله مثل “بيت المال” و”جهاد البناء” و”هيئة الدعم” و”قسم العلاقات الخارجية في الحزب” و”المنظمة الأمنية الخارجية”، إضافة إلى قناة “المنار” وإذاعة “النور” و”المجموعة اللبنانية للإعلام”.

وكان حزب الله قد باشر نشاطه في ثمانينات القرن الماضي تحت مسميات متعددة كان أشهرها “منظمة الجهاد الإسلامي” التي تولت خطف وقتل رهائن غربيين. وقد دخل عامل المال والمقايضة مع طهران في سبيل إطلاق سراح الرهائن، فيما شهدت باريس وعواصم أوروبية أخرى تفجيرات وقفت إيران وراءها كواجهة للخلاف بين طهران والغرب عامة حول مجموعة من الملفات انفجرت بعد قيام الجمهورية الإسلامية في إيران عام 1979.

لكن اللافت في تصريحات نائب الرئيس الأميركي أنه حمّل حزب الله مسؤولية ظهور الإرهاب الذي “حمل القوات الأميركية إلى العالم الأوسع، من لبنان الى ليبيا ومن نيجيريا إلى أفغانستان ومن الصومال إلى العراق والكثير من ميادين القتال الأخرى بينها”.

ورأى مراقبون أميركيون أن تصريحات بنس تأتي من ضمن أجواء إدارة الرئيس دونالد ترامب لممارسة أقصى أنواع الضغوط ضد إيران وفق الاستراتيجية الجديدة ضد طهران. وقد كان لافتا أيضا ما أكده مستشار الأمن القومي الأميركي هربرت مكماستر، الاثنين، من أنّ مَن فجروا مقر المارينز في لبنان عام 1983 أصبحوا الآن قادة في حزب الله.

ومنذ توليه السلطة، اتخذ ترامب مواقف مناهضة للاتفاق الذي ينصّ على وضع قيود على برنامج إيران النووي مقابل تخفيف العقوبات المفروضة عليها فيما تعهّد بمواجهة نفوذ الجمهورية الإسلامية في أنحاء الشرق الأوسط.

ويعتبر البيت الأبيض أن الاتفاق النووي الذي اُبرم في عهد الرئيس السابق باراك اوباما، سمح بتجاهل الولايات المتحدة لدعم طهران للمجموعات المسلحة وتمويل الارهاب في المنطقة.

ورغم أن ترامب لم يعلن الانسحاب من الاتفاق النووي إلا أنه رفض المصادقة على تقارير دولية أكدت أن إيران ملتزمة بتعهداتها في الاتفاق النووي، معتبرا أن ما تقوم به إيران لا يتوافق مع المصالح الأميركية.

وقد أتاح قرار ترامب للكونغرس الأميركي خلال 60 يوما النظر في أمر الاتفاق بما يطلق يد السلطة التشريعية الأميركية في فرض عقوبات جديدة ضد إيران، وبما يعرقل أي تطبيع اقتصادي دولي مع إيران حتى لو بقيت الدول الخمس الأخرى الشريكة في هذا الاتفاق النووي داخل هذا الاتفاق.

وذهب مايك بنس مذهب الرئيس الأميركي حين أكد في مقر المارينز في واشنطن أن “الرئيس لن يقف مكتوف الأيدي بينما يخطط آيات الله في طهران لهجمات مثل الهجوم المروع الذي نتذكره اليوم”.

ويلفت مراقبون أميركيون إلى أن شخوص الإدارة الأميركية منسجمة مع ترامب في مسألة مواجهة إيران، لا سيما أن عددا من مسؤولي هذه الإدارة بمن فيهم كبير موظفي البيت الأبيض جون كيلي ومستشار الأمن القومي هربرت ريموند ماكماستر واجهوا مجموعات مسلحة مرتبطة بإيران خلال مهماتهم العسكرية في العراق.

ولفت المراقبون ربط بنس حزب الله بالإرهاب المنتشر في العالم وهو ما يخالف رواية سابقة تضع تاريخا للإرهاب في السياق الأميركي منذ اعتداءات 11 سبتمبر الشهيرة. وقد اتهم نائب الرئيس الأميركي حزب الله المدعوم من إيران بتنفيذ الهجوم على مقر المارينز في 1983.

وقال بنس إن “العمل الوحشي الذي جمعنا هنا اليوم كان من تخطيط وتنفيذ إرهابيي حزب الله”. وأضاف “ضاعفنا في ظل قيادة الرئيس ترامب التزامنا بتعطيل شبكة حزب الله الإرهابية وجلب قادتها إلى العدالة”.


هربرت ماكماستر: من ارتكبوا تفجير مقر المارينز أصبحوا قادة في حزب الله

الأولوية لمواجهة حزب الله

يقول خبراء في شؤون الإرهاب في الولايات المتحدة أن تصريحات بنس لا تأتي من فراغ بل مكملة لسياق منذ أن عرضت إدارة ترامب مبالغ مالية مقابل معلومات تقود إلى قيادات في حزب الله.

وكانت وزارة الخارجية الأميركية أعلنت الشهر الماضي عن مكافأة بقيمة سبعة ملايين دولار لأي معلومات تؤدي إلى اعتقال القيادي بميليشيات حزب الله اللبنانية، طلال حميّة وخمسة ملايين دولار لأي معلومات عن قيادي آخر يدعى فؤاد شكر.

وبحسب الخارجية الأميركية، فان حميّة “يدير الذراع الإرهابية الدولية لحزب الله”، وقد “ارتبط بالعديد من الاعتداءات الإرهابية” و”عمليات خطف استهدفت أميركيين”.

أما شكر، فهو بالنسبة إلى واشنطن “قيادي عسكري كبير في قوات التنظيم في جنوب لبنان”، وهو ضالع في الهجوم الذي أوقع أكثر من 200 قتيل في صفوف مشاة البحرية الأميركية “المارينز” في بيروت في 1983.

وأكد منسق مكافحة الإرهاب في الخارجية الأميركية، ناتان سايلز، في حينها، أن مواجهة حزب الله هي أولوية للرئيس الأميركي دونالد ترامب.

وأشار سايلز إلى أن المكافآت المالية التي أعلنت عنها الوزارة للقبض على حميّة وشكر هي “خطوة جديدة لزيادة الضغوط عليهما وعلى تنظيمهما”.

ودعا حلفاء الولايات المتحدة إلى تصنيف الحزب اللبناني المدعوم من إيران كـ”منظمة إرهابية” وعدم القيام بـ”الفصل الخاطئ” بين ذراع سياسية للحزب وذراع عسكرية. وقال “حزب الله تنظيم إرهابي من الألف إلى الياء”.

ويعتبر الاتحاد الأوروبي الذراع العسكرية لحزب الله تنظيما إرهابيا، ولكن ليس ذراعه السياسية التي تشارك في الحكومة اللبنانية.

ولم تعد الإدارة الحالية في واشنطن تتعامل مع حزب الله على نحو منفصل من تعاملها مع إيران على ما كان يتم في ظل إدارة أوباما، فقد قال بنس “كلنا نعرف أن المجموعة الإرهابية (حزب الله) هي عبارة عن وكيل للدولة الأساسية الراعية للإرهاب”، بما يعني أن واشنطن في مواجهتها للحزب إنما هي حرب ضد إيران.

ويرى دبلوماسيون غربيون أن خطاب الإدارة الأميركية ضد إيران وحزب الله يجيب على أسئلة كثيرة حول الاستراتيجية التي ستنتهجها الولايات المتحدة في المنطقة بعد داعش. وتعتبر هذه الأوساط أن خطابي ترامب وبنس يعلن أن الحرب ضد الإرهاب لم تنته وأن الفصل المتعلق بحزب الله سيكون جزءا مكملا من سياق الحرب الشاملة ضد الإرهاب وجذوره.