ذكرت صحيفة "الشرق الاوسط" أنه في كل مرة يطالب فيها القطاع العام في لبنان بتصحيح الرواتب، أو ما بات يعرف بـ"سلسلة الرتب والرواتب"، تعود إلى الواجهة قضية هذا القطاع، وما يخفي في طياته من فساد ومحاصصة سياسية وقلة إنتاجية، بحيث بات يصفه البعض بـ"مغارة البطالة المقنعة". وتكشف نسبة موظفي القطاع العام، التي تقدر بـ25 في المائة من حجم القوى العاملة، هذا الواقع، لا سيما إذا قورنت مع بلاد متقدمة، على غرار فرنسا وألمانيا، حيث لا تزيد نسبة موظفي هذا القطاع عن 14%، وفي اليابان 6 %.

ومنذ الأسبوع الماضي، تسبب القطاع العام بالأزمة السياسية - الاقتصادية التي يبدو أنها تتجه إلى التصعيد، في ظل الإرباك الذي تعيشه السلطة في لبنان، بعد إبطال المجلس الدستوري لقانون الضرائب الذي أقره مجلس النواب لتمويل زيادة رواتب الموظفين بقيمة 1200 مليار ليرة لبنانية. وقد عقدت الحكومة لهذه الغاية 4 جلسات متتالية، فيما يهدد القطاع العام بالإضراب المفتوح، إذا اتخذ أي قرار لتعليق العمل بالزيادة.

ويعمل اليوم في القطاع العام 300 ألف موظف، أي ربع حجم القوى العاملة في لبنان، وتتوزع بحسب الباحث في "الدولية للمعلومات"، محمد شمس الدين، إلى 120 ألفاً في القوى الأمنية والعسكرية، و40 ألفاً في قطاع التعليم في مستوياته كافة، و25 ألفاً في الإدارات الرسمية والوزارات، و115 ألفاً في البلديات والمؤسسات العامة، مثل الكهرباء والمياه والتبغ ومشروع الليطاني، إضافة إلى سكك الحديد غير العاملة أساساً في لبنان، كما يبلغ عدد المتعاقدين الذين يتقاضون رواتب 70 ألفاً، معظمهم من العسكريين. ويؤكد شمس الدين، في تصريح لـ"الشرق الأوسط"، أن عدد الموظفين في هذا القطاع يدل على أزمة اقتصادية ومؤشر سلبي، في دولة تمتص البطالة عبر احتواء العاطلين عن العمل، بغض النظر عن الكفاءة المطلوبة، بل إن أكثر من 50 في المائة منهم يتم توظيفهم تلبية لرغبة الوساطات السياسية والطائفية، إضافة إلى الرشى. ويعطي مثالاً على ذلك بما بات يعرف بـ"فضيحة المدرسة الحربية"، التي كشفت عن مافيا تعمل على توظيف ضباط في الجيش اللبناني، مقابل دفع مبالغ طائلة تصل إلى مائة ألف دولار أميركي.

ويشير شمس الدين أيضاً إلى ظاهرة التعاقد الوظيفي المعتمدة في لبنان في الفترة الأخيرة، وهي التي باتت تشكل أيضاً باباً آخر للفساد، موضحاً: "يتم التعاقد مع موظفين محسوبين على جهات سياسية، وبعد سنوات يتم إخضاعهم لمباراة محصورة فيما بينهم، تكون نتائجها معروفة لصالحهم سلفاً". ويلفت إلى أن وظائف عدة في المؤسسات العامة لا تحتاج إلى أكثر من قرار الوزير المعني، وطبعاً تكون محصورة فقط بمن هم محسوبين عليه، سياسياً وطائفياً، مضيفاً: "والأمر نفسه ينطبق على مصرف لبنان المركزي، الذي قدر عدد موظفيه قبل تسلّم الحاكم الحالي منصبه عام 1993 بـ930 شخصاً، ليصل اليوم إلى 2200 موظف يتم تعيينهم بقرار من الحاكم. وبالتالي، بما يرضي الأطراف السياسية على اختلاف توجهاتها".

ورغم ذلك، يقول حسن وهبي، عضو الهيئة الإدارية لرابطة موظفي الإدارة العامة، إن هناك شواغر كثيرة في وظائف الإدارات الرسمية، تقدّر بنحو 30 في المائة إذا احتسب المتعاقدون، و50 في المائة من دونهم.