تحمل كلُّ الأدوية التي نتناولها الآثارَ الجانبية على صحّتنا، ولكنّ ذلك لا يمنعنا عنها في لحظات الألم والحالات التي تستدعي العلاج. ولطالما سمعنا عن مضاعفات المضادّات الحيوية نتيجة سوءِ استخدامها. فمتى يجب تناولها؟ وما هي الأخطاء الشائعة التي يقع فيها من يتعالج بواسطتها؟
 

في كلّ عام، تحدثُ آلاف الوفيات بسبب انعكاسات أدوية مختلفة، ويعود سبب أكثر من 40 في المئة من هذه الحالات، الى سوء استخدام المضادات الحيوية (Antibiotique).

وبهدف التوعية على الطريقة الطبّية الصحيحة لاستخدام هذه المضادات وللتخلّص من العادات الخاطئة التي تنعكس سلباً على المريض، كان لـ«الجمهورية» حديث خاص مع الاختصاصي في الطب الداخلي وفي أمراض الكِلى والضغط الدموي الدكتور إيلي مبارك الذي استهلّ حديثه قائلاً: «تُستخدم المضادات الحيوية لعلاج الالتهابات، الفطريات، الطفيليات، والبكتيريا الموجودة في جسم الإنسان.

وعلى الاثر، نلاحظ وجود أنواع عدة من هذه المضادات التي يمكن ان نصفَها على أنّها سيف ذو حدّين. فإذا استُخدمت بالشكل المناسب تعود بالفائدة للمريض، أمّا إذا استُخدمت دون الحاجة لها، فيمكن أن تسبّب الأذى، ولا ينطبق عليها مقولة «إذا ما استفَدنا ما منِنضَر» كما يقول البعض».

الإنفلونزا لا تعالَج بالمضادات

يلعب العلاج غيرُ الملائم بالمضادات الحيوية والإفراط في استخدامها، احدَ العوامل الاساسية التي تساعد على اكتساب البكتيريا مناعةً ضدّ هذه المضادات. ويَشرح د. مبارك: «يجب التمييز بين الالتهاب البكتيري والآخر الفيروسي.

لنُعطِ مثلاً الإنفلونزا، يَعمد الكثيرون إلى تناولِ المضادات الحيوية للتخلّصِ من هذه المشكلة. وهذه الخطوة الخاطئة تضرّ المريض بشكل واضح، خصوصاً أنّ الانفلونزا بحاجة الى 10 أيام حتى يتخلص الجسم منها دون ايّ مساعدة طبّية، و7 أيام مع مساعدة الدواء المناسب.

فيظنّ الناس، أنّهم شُفوا منها نتيجة تناولِهم المضادات الحيوية، ولكن عمليّاً هذا ليس صحيحاً، لأنّ الفيروس يبدأ بالزوال تلقائياً بعد 3 إلى 4 أيام، ولا علاقة للمضاد الحيوي بذلك. وهنا بهذه الخطوة نكون قد أضعَفنا جهاز المناعة، وجعلنا جسمَنا يكتسب مناعةً ضدّ البكيريا، رغم أنّ الفيروس لا يعالج بالمضادات».

المضادّات والأطفال

تعلو الأصوات المحذِّرة كلَّ عام على أبواب فصلِ الشتاء، ومع انتشار الأمراض المعدية، لا سيّما بين الأطفال، من سوء استخدام المضادات الحيوية بشكل عشوائي. وبحسب د. مبارك «يظنّ الناس انّ ارتفاع حرارة الجسم يدلّ على وجود التهاب فيه، ما يُحتّم العلاج بالمضادات. إلّا أنّنا نشدّد على انّ الطبيب وحدَه المخوّل وصفَ المضادات بعد الكشف على المريض.

لذلك يجب أن يستشير الطبيبَ الذي يبدأ بفحصه سريرياً، وللأسف أصبحنا في وقتٍ تراجَع فيه الفحص السريري وأصبَح المريض يحصل على الوصفة أو العلاج عبر الهاتف أو «الواتس اب» دون ايّ فحص أو كشف طبّي. الى ذلك، إذا لم نجد خلال الكشف على المريض مصدرَ الالتهاب، نُرجّح عندها أنه يعاني من التهاب فيروسي.

فننتظر اسبوعاً تقريباً لنرى ردّة فعلِ جهاز المناعة لديه، وإمكانية التخلّص من الحرارة دون الحاجة الى المضادات الحيوية ولكن بأدوية أخرى قد يصفها الطبيب.

أمّا إذا استمرّت الحراراة والعوارض بعد اسبوع، عندها على الطبيب إخضاع المريض الى تحاليل وفحوصات مفصّلة، لا سيّما إذا كانت المؤشّرات مخفية خلال الفحص السريري. وعندها يصف المضاد المناسب في حال كشَفت الفحوصات وجودَ الالتهاب البكتيري.

وحتى بالنسبة للأطفال، إذا كان الطفل يعاني من الحرارة المرتفعة لكنّه يأكل ويشرب ويتمتّع بالنشاط، فأيضاً يمكن الانتظار قبل وصفِ المضادات. للأسف في لبنان، وبحسب ما تشهده عياداتنا يَعمد كثيرون الى تناولِ المضادات الحيوية دون استشارة الطبيب، أو عند إصابتهم بالفيروس بمجرّد ارتفاع حرارة جسمهم».

الأمراض التي تعالج بالمضادّات

البعض معرّض أكثر من غيره إلى الإصابة بالالتهابات، خصوصاً الذين يعانون من امراض مزمنة كالسكّري، ارتفاع الضغط الدموي، امراض الجهاز العصبي، فشلُ عملِ الكبد، الفشل الكلوي والرئوي، كبار السن (فوق الـ 75 سنة) الاطفال الرضّع، مرضى السرطان والسيدا والمدخّنون.

أمّا عن اكثر الحالات التي يتمّ فيها العلاج بالمضادات يقول د. مبارك: «كما ذكرنا آنفاً، لا تكون المضادات فعّالة على الفيروسات ولمعظم مشاكل الجهاز التنفسي.

وأبرز الحالات التي نصف علاجَها بالمضادات هي التهاب الجيوب الأنفية والمسالك البولية عند الاطفال، التهابات الأسنان كالتهاب اللثة او النيرة، حالات العدوى الجرثومية الأشد خطورةً كالالتهاب السحايا الجرثومي، التهابات الدم، التهاب غشاوة القلب، التهابات العظم. اضافةً الى الجروح والعضّات الناتجة عن الحيوان او حتى الانسان او لسعات بعض الحشرات، التي تستدعي علاجاً وقائياً بالمضادّات الحيوية».

الموت المحتّم

لا يمرّ سوء استخدامِ المضادات على خير ما يُرام، فماذا يَحدث عند اكتساب البكتيريا المناعة ضدّ هذا العلاج؟ بحسب د. مبارك «يؤدّي ذلك الى غياب أيّ علاج آخر، وهذه هي المشكلة الاساسية التي تغيب عن الناس الذين يصبحون واعين لها بعد 20 سنة من سوء استخدامها، لا سيّما عندما يصابون بالالتهابات المتكرّرة دون الاستجابة الى العلاج بالمضادات، فنضطرّ حينها الى زرعِ هذه البكتيريا، فنكتشف غالباً أنّها تقاوم الكثير من أنواع المضادات الحيوية، عندها يَعجز الطبّ عن إعطاء العلاج المناسب والفعّال. وهذه الحالات خطرة جداً وتُسبّب الموت المحتّم».

العوارض الجانبية الطبيعية

الطبيب هو الوحيد المخوّل وصفَ المضادات الحيوية، بعيداً عن وصفات «الجيران»، وحتّى الصيدلي الذي يجب ان يلعب دور الاستشاري والمرشد الذي يوعّي المريض وينصَحه، ولكنّه غير مخوّل لوصفِ العلاج المناسب.

وتحمل المضادات عوارضَ جانبية طبيعية كغيرها من الادوية وعلى الصيدلي ان يفسّرَها للمريض، ويلخّصُها د. مبارك على الشكل الآتي: «المغص، ألم البطن، الإسهال، والطفرة الجلدية.

ومن المهمّ استشارة الطبيب فوراً إذا شعرَ بها المريض. كما يمكن أن تسبّبَ بعض العوارض في حال تعارضِها أو تداخُلِها مع أدوية أخرى، وهنا الطبيب هو الذي يعرف أيَّ نوع يجب أن يصف كي لا يتعرّض لأيّ مشكلة. ولا يمكن للحامل تناوُلها نهائياً، إلّا في حال وصَفها طبيبُها لها».

نصائح وإرشادات الاستخدام

يعمد الكثير من اللبنانيين الى اعتماد طرقٍ خاطئة خلال علاجهم بالمضادات. فما هي الطريقة الصحيحة لتناولِ هذه العلاجات؟ يجيب د. مبارك: «من المهم، أن يأخذ المريض الجرعات في وقتٍ محدّد من قبَل الطبيب، وهنا يُمنع منعاً باتاً أخذُ أيِّ جرعة إضافية، كما يفعل البعض، ظنّاً منهم أنّهم سيشفَون بسرعة أكثر.

ولا يجب التوقّف عن أخذِ الدواء حتى لو تحسّنَ المريض لأنّ البكتيريا تكون لا تزال موجودة ويمكن أن تتفاعل مجدّداً في الجسم. كما يُمنع تناولُ الكحول خلال العلاج، لأنه يقلّل من فعالية المضادات الحيوية، وفي بعض الأحيان يزيد من حدّةِ العوارض الجانبية للمضادّات، ويُطوّل فترةَ العدوى أو الالتهابات».

لا تكُن «طبيبَ نفسِك»

الاستهتار بالعلاج بواسطة المضادات ممنوع، والتصرّف عشوائياً يضرّ صحّة الإنسان ويفتك بها. واختتَم حديثه قائلاً: «تقلّ نسبة الاستعمال العشوائي للمضادات عند الاطفال، لأنّ أمّهاتهم غالباً ما يصطحبنهم إلى الاختصاصي.

الأمر الذي يختلف عند الكبار، إذ إنّ الراشد يَعتبر أنه طبيب نفسِه وأنه أفهمُ من الطبيب، خصوصاً مع شيوع عادةِ الالتجاء الى «غوغل». وعلى سبيل المثال، قد نصف للمريض مثلاً المضادات لعلاج حالتِه، فيقرّر بعد استشارت «غوغل» التوقّفَ عن العلاج لأنه قرَأ أنّه يحمل مثلاً عوارضَ جانبية، وعند هذا الامتناع تتأزّم حالته.

وهنا أيُّه أفضلُ؟ أن نتركَ المريض دون هذه المضادات وأن يتسمّم جسمُه وأن يتفاعل الالتهاب في دمِه، أو أن يتحمّل بعضَ العوارض الجانبية التي نكون قد حذّرناه منها وتأكّدنا بعد إجراء الفحوصات له أنّها غير خطيرة. باختصار، إذا دعَت الحاجة للمضادات الحيوية يجب الالتزام بتناولها، ويجب الابتعاد عنها إذا لم يصفها الطبيب».