رفض شرط المرور إلى الاستفتاء إذا فشلت المفاوضات مع بغداد، وجميع الأطراف العراقية في مأزق تحسبا لنهاية تمس مكاسبها
 

في مؤشر واضح على اقتراب أزمة استفتاء إقليم كردستان العراق من الحل، بدأت رئاسة الجمهورية في بغداد، باستشارة القوى السياسية الشيعية، بشأن موقفها من مبادرة لتسوية الوضع بين بغداد وأربيل، تتضمن تأجيلا مشروطا لمشروع الاستقلال الكردي.

وكانت رئاسة الجمهورية في العراق، عرضت مبادرة لاحتواء تداعيات الاستفتاء، بنيت على مقترح تقدم به ممثل الأمين العام للأمم المتحدة في العراق يان كوبيتش.

وتنص المبادرة على “بدء المفاوضات بين الأطراف في شهر سبتمبر 2017 من دون شروط مسبقة لحل المشاكل العالقة وفق مبدأ الشراكة”، مشترطة إكمال هذه المفاوضات، التي التزمت الأمم المتحدة بدعمها، لـ”تنفيذ بنود الاتفاقية بين الطرفين”، خلال فترة زمنية لا تزيد على ثلاث سنوات.

وبناء على ذلك، وفقا لنص المبادرة، “تقرر حكومة الإقليم عدم إجراء الاستفتاء بتاريخ 25 سبتمبر 2017 وفي حالة عدم النجاح في تلك المفاوضات يتم الرجوع إلى الاستفتاء”.

وقالت مصادر سياسية رفيعة في بغداد لـ”العرب”، إن “مستشاري رئيس الجمهورية فؤاد معصوم، فتحوا قنوات اتصال مع القوى السياسية الشيعية الخميس، للتعرف على ملاحظاتهم بشأن المبادرة”، في مؤشر واضح على إمكانية أن تشكل مدخلا لتأجيل الاستفتاء.

ووفقا للمصادر، فإن معظم الأحزاب السياسية في بغداد، اتفقت على “رفض الشرط الذي تضعه المبادرة بشأن عودة الكرد إلى الاستفتاء، في حال فشلت المفاوضات مع بغداد”.

وقالت المصادر إن “هذه التطورات أعقبت لقاء في السليمانية بين معصوم ورئيس إقليم كردستان مسعود البارزاني”، الذي يتبنى خطة الاستفتاء، سعيا لإعلان دولة كردية مستقلة.

وأضافت أن “البارزاني أبلغ معصوم عدم ممانعته في المضي بتنفيذ بنود المبادرة، شريطة رعايتها من قبل أطراف دولية”.

وتحاول رئاسة الجمهورية “الخروج من مأزق شرط العودة إلى الاستفتاء، لكنها تواجه تصلبا من بغداد وأربيل على حد سواء”. وفقا للمصادر التي تتحدث عن “انقلاب في موازين الأمور، بعد بيان الخارجية الأميركية الذي هدد الأكراد بالتخلي عن رعاية أي تفاوض مع بغداد، في حال أصروا على إجراء الاستفتاء” المقرر الاثنين القادم.


معصوم يسعى إلى الخروج من مأزق صفته المزدوجة بوصفه كرديا ورئيسا للعراق
وكان رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي قال الثلاثاء، إنه سيكون مضطرا إلى رفض أي تسوية تستند إلى وجود شرط ينص على تأجيل الاستفتاء أو الحديث عن إمكانية العودة إليه في أي ظرف.

وقال العبادي إن “مبادرة رئيس الجمهورية مرفوضة إذا كانت تفترض القبول بإجراء الاستفتاء في كردستان”.

وأضاف أن “بغداد هي من تطالب إقليم كردستان بضمانات الالتزام بالدستور وبعراق اتحادي موحّد”، محذرا من أن “تغيير الحدود من طرف واحد يفتح باب الدماء على مصراعيه”.

وباستثناء التيار الصدري، ترفض جميع الأحزاب السياسية الشيعية إجراء الاستفتاء الكردي أو حتى تأجيله، مطالبة بإلغائه.

وأعلن التحالف الوطني الذي يمثل أكبر تكتل في البرلمان العراقي، ويضم جميع نواب الأحزاب الشيعية في العراق، رفضه لخطوة الانفصال الكردية.

ويقول زعيم ائتلاف دولة القانون، نوري المالكي، إن المبادرة “حددت مددا زمنية لنجاح المفاوضات وهو أمر مرفوض إطلاقا”.

وأضاف المالكي في ما وصفه سياسيون في بغداد بالابتزاز السياسي، أنه يرفض “إجراء الاستفتاء في كردستان وفي المناطق المتنازع عليها، ونتائجه وما يترتب عليه باعتباره موضوعا مخالفا لمواد الدستور بصورة فاضحة”.

ولكن رئاسة الجمهورية تقول إنها تريد أن تستمع لمواقف القوى السياسية خلال لقاءات مباشرة وليس عبر بيانات صحافية.

وتتحدث المصادر عن “أجواء إيجابية تسود الأوساط السياسية في بغداد بشأن تجاوز أزمة الاستفتاء، لكن الخلافات ما زالت حاضرة بشأن كيفية إخراج الاتفاق”.

وتشير إلى أن “مستشاري معصوم يفكرون في حذف الفقرة المتعلقة بفرضية فشل المفاوضات من نص المبادرة، لتجنب إثارة الخلافات بشأنها، على أن تقدم الأمم المتحدة، من طرفها، ضمانات لإقليم كردستان للتوصل إلى اتفاقات مع بغداد والعمل على تنفيذها”.

ومع هذا، لم تصدر إشارات واضحة من أربيل بشأن إمكانية التوصل إلى تسوية مع بغداد، ما يدفع المراقبين إلى توقع إمكانية أن يتأخر صدور مثل هذا الإعلان عن إقليم كردستان حتى الساعات الأخيرة التي تسبق موعد الاستفتاء.

واعتبر مراقب سياسي عراقي أن جميع الأطراف في مأزق بالرغم من أن لغة التصعيد لا تزال هي السائدة، مشيرا إلى أن القلق يكتنف الجميع من فكرة خروجهم مهزومين من هذا الامتحان الصعب الذي قد يفضي إلى تغيير أصول اللعبة السياسية في العراق.

وقال المراقب في تصريح لـ”العرب” إن البارزاني الذي أحرج الأطراف الكردية غير المتحمسة لتوقيت الانفصال بفيض التعاطف الشعبي المؤيد للانفصال لن يكون مستعدا لمواجهة ما يمكن أن يؤدي إليه مشروعه من إضرار بمستقبل الشعب الكردي وسط رفض إقليمي ودولي قد ينتهي إلى وضع حد للتعاطف الإنساني الذي يتمتع به الأكراد.

ولفت إلى أن الحكومة العراقية ليست مستعدة هي الأخرى لمواجهة تداعيات اختفاء جزء من الخارطة العراقية وسط تهديد حقيقي يمثله الحشد الشعبي الذي يجد في الاستفتاء مناسبة للإطاحة بالحكومة والقفز إلى السلطة معيدا لإيران مفتاح المبادرة من جهة الحفاظ على ما تبقى من العراق.

وأضاف أن الرئيس العراقي هو الآخر يسعى إلى الخروج من مأزق صفته المزدوجة، بوصفه كرديا ورئيسا للعراق، يفرض عليه الدستور الحفاظ على وحدة التراب العراقي.