بين الخروج من المدينة والوصول إلى كربلاء
 

خروج الإمام الحسين: 

مات الخليفة معاوية بن أبي سفيان سنة ستّين للهجرة وخلفهُ ابنه يزيد وأمه ابنة بحدل، وهي كلبية، وجاءت وفاته إلى المدينة، وعليها يومئذٍ الوليد بن عتبة، فأرسل إلى الحسين بن علي وعبدالله بن الزبير، فدعاهما إلى البيعة ليزيد، فقالا: بالغد إن شاء الله على رؤوس الناس. وخرجا من عنده، فدعا الحسين برواحله فركبها وتوجه نحو مكّة على المنهج الأكبر، وركب ابن الزبير برذوناً له وأخذ طريق العرج حتى قدم مكّة؛ ومرّ الحسين حتى أتى على عبدالله بن مطيع وهو على بئرٍ له، فنزل عليه، فقال للحسين: يا أبا عبدالله، أين تريد؟ قال، العراق! قال: سبحان الله، لم؟ قال: مات معاوية، وجاءني أكثر من حمل صحف، قال: لا تفعل أبا عبدالله، فوالله ما حفظوا أباك وكان خيراً منك، فكيف يحفظونك؟ ووالله لئن قُتلت لا بقيت حُرمةٌ بعدك إلاّ استُحلّت! وخرج حسينٌ حتى قدم مكة ،فأقام بها هو وابن الزبير. وفي حديث سالم بن عبدالله بن عمر: قيل لأبي: إنّ الحسين توجّه إلى العراق، فلحقهُ على ثلاث مراحل من المدينة- وكان غائباً عند خروجه- فقال له: أين تريد؟ فقال: أريد العراق، وأخرج إليه كُتُب القوم، ثم قال: هذه بيعتهم وكُتبهم، فناشده الله أن يرجع، فأبى، فقال: أُحدّثُك بحديثٍ ما حدّثتُ به أحداً قبلك: أتى جبريل النبي (ص) يُخيّره بين الدنيا والآخرة، فاختار الآخرة، وإنّكم بضعةٌ منه، فوالله لا يليها أحدٌ من أهل بيته أبداً؛ وما صرفها الله عنكم إلاّ لما هو خيرٌ لكم: فارجع، فأنت تعرف غدر أهل العراق وما كان يلقى أبوك منهم، فأبى، فاعتنقه وقال: استودعتك الله من قتيل.
وقال الشاعر الفرزدق: خرجت أريد مكة، فإذا بقبابٍ مضروبة وفساطيط، فقلت، لمن هذه: قالوا: للحسين، فعدلتُ إليه فسلّمتُ عليه، فقال: من أين أقبلت؟ قلتُ من العراق، قال، كيف تركت الناس؟ قلتُ: القلوب معك، والسيوف عليك، والنّصر من السماء.
وكان الحسين قد بعث مسلم بن عقيل بن أبي طالب إلى أهل الكوفة ليأخذ بيعتهم، وكان على الكوفة حين مات معاوية، فقال: يا أهل الكوفة، ابنُ بنت رسول الله (ص) أحبُّ إلينا من ابن بنت بحدل. فبلغ ذلك يزيد، فاستعمل عبيد الله بن زياد على الكوفة، فقدمها قبل أن يقدم حسين. وبايع مسلم بن عقيل ثلاثين ألفاً من أهل الكوفة، وخرجوا معه يريدون عبيد الله بن زياد، فجعلوا كلما انتهوا إلى زقاقٍ انسلّ منهم ناس، حتى بقي في شرذمة قليلة، وجعل الناس يرمونه بالآجر من فوق البيوت، فخرج إليهم بسيفه، فما زال يقاتلهم حتى أثخنوه بالجراح ،فأسروه. وأُتي به ابن زياد فقدّمهُ ليضرب عنقه، فقال له: حتى أوصي، فقال له أوص، فنظر في وجوه الناس، وقال لعمر بن سعد: ما أرى قُرشّياً هنا غيرك، فادنُ منّي أُكلّمك، فدنا منه، فقال له: هل لك أن تكون سيد قريش ما كانت قريش؟ إنّ حُسيناً ومن معه، وهم تسعون إنساناً ما بين رجلٍ وامرأة في الطريق، فارددهم واكتب لهم ما أصابني، ثمّ ضُرب عنقُه، فقال عمر لابن زياد: أتدري ما قال لي؟ قال: اكتُم على ابن عمّك، قال: هو أعظمُ من ذلك، قال: وما هو؟ قال: قال لي: إنّ حسيناً أقبل ومعه تسعون إنساناً ؛ فاردُدهم واكتُب إليه بما أصابني. فقال له ابن زياد: أمّا والله - إذ دللت عليه- لا يُقاتلُه أحدٌ غيرك.

يتبع: الاستشهاد