نشرت صحيفة "فاينانشيال تايمز" البريطانية تقريرا موسعا عن محاولة الرئيس الإيراني حسن روحاني الحد من النفوذ الاقتصادي والمالي لميليشيات الحرس الثوري الذي يعيق مساعي الإصلاح الاقتصادي والاستفادة من رفع العقوبات عن طهران ضمن الاتفاق النووي.
وتنقل الصحيفة عن إيرانيين لم تسمهم أو تذكر مناصبهم أن الرئيس روحاني يسعى لإقناع المرشد الأعلى علي خامنئي، صاحب القرار النهائي في إيران، بأن فساد الحرس الثوري الاقتصادي يضر بالميليشيات أيضا ودورها وليس فقط بالاقتصاد الإيراني الذي يزداد غرقا.

وفي هذا السياق، أقر روحاني الشهر الماضي زيادة ميزانية الحرس الثوري المخصصة لبرنامج الصواريخ الباليستية والحملات العسكرية الخارجية ليوازن جهوده التي تحاول تقليص المصالح الاقتصادية للميليشيات.

ومنذ ما بعد نهاية الحرب العراقية الإيرانية تبرر ميليشيات الحرس الثوري نشاطها الاقتصادي بأنه لتمويل بناء قدراتها العسكرية، ومؤخرا تبرر تضخم مصالحها الاقتصادية بتكاليف مشاركة الميليشيات في الحرب في العراق وسوريا وغيرها.

وحسب الشهادات التي نقلتها الصحيفة، لا يرغب روحاني في "قص أجنحة" الميليشيا التي تضم نحو 120 ألفا وتعتمدها القيادة الإيرانية كأهم أذرع قوتها في تدخلها في الخارج تحت شعار "مكافحة الإرهاب".

لكن الاتفاق النووي الذي أدى إلى رفع بعض العقوبات منذ نحو عامين لا يمكن الاستفادة منه وشركات ميليشيا الحرس الثوري تعمل في كافة قطاعات الاقتصاد، إذ يحجم المستثمرون الأجانب عن الدخول في أي مشروعات في إيران، خشية أن يتقاطع ذلك مع شركات الميليشيا التي تعتبر منظمة إرهابية ما قد يكلفهم عقوبات وغرامات بالمليارات.

  إمبراطورية الميليشيا

وتذكر "فاينانشيال تايمز" أن المرشد ربما اقتنع بأن تقليص نفوذ الحرس الثوري الاقتصادي حماية للميليشيا بما يقويها ويجعلها تركز على دورها العسكري.

ويقول أحد رجال الأعمال الإيرانيين للصحيفة: "يريد روحاني أن يكون الحرس (الثوري) ذراعا عسكرية كبيرة وقوة لمكافحة الإرهاب في الشرق الأوسط وليس مستوردا لمستحضرات التجميل".

ولا تتوفر معلومات دقيقة عن المصالح الاقتصادية لميليشيا الحرس الثوري، لكن هناك تقديرات بأنها تصل إلى أكثر من 100 مليار دولار.

ومن أكبر شركات الميليشيا مجموعة "خاتم الأنبياء" القابضة التي تتبعها شركات عديدة لكنها لا تذكرها على موقعها، وإن ذكرت القطاعات التي تعمل بها وتشمل تقريبا كافة مناحي الاقتصاد الإيراني من التنجيم والثروة المعدنية إلى صناعة البتروكيماويات مرورا بالقطاع الصحي والزراعي.

وفي 2009، خلال حكم الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد الذي أعطى ميليشيا الحرس الثوري مساحة نفوذ مهولة في البلاد، اشترت شركة "اعتماد مبين" للتنمية التابعة للميليشيا شركة الاتصالات الحكومية مقابل نحو 8 مليارات دولار.

ولا يقتصر نشاط شركات الميليشيا في قطاعي النفط والغاز على شركات مباشرة مثل شركة "سيبانير لهندسة النفط والغاز" وإنما هناك أيضا "مجموعة شهيد رجائي المهنية" وهي من أكبر شركات التشييد والبناء في إيران ولها مشروعات في كافة القطاعات.

كذلك أيضا شركة "صادرا إيران" للصناعات البحرية التي تبني ناقلات النفط وتساهم أيضا في أغلب مشروعات النفط والغاز في البلاد.

فساد وإرهاب

وبعد إعادة انتخابه في مايو، يسعى الرئيس حسن روحاني إلى تعظيم الاستفادة من الاتفاق النووي في مجال تحسين الاقتصاد وجذب الشركات الأجنبية إلى البلاد.

لكن إمبراطورية ميليشيات الحرس الثوري الاقتصادية لا تعيق فقط اتفاقات الحكومة مع الشركات الأجنبية، بل تزيد من التحديات الاقتصادية أمام الحكومة في الداخل الإيراني.

فمع ارتفاع معدلات البطالة وشكوى المواطنين من تردي الوضع الاقتصادي إلى حد الاحتجاج على إنفاق المليارات على التدخل في العراق وسوريا، يزداد ثراء قادة ميليشيات الحرس الثوري ممن يديرون أذرعها الاقتصادية.

وخلال العام الأخير، طالت حملات مكافحة الفساد عددا من هؤلاء، بل ضغطت الحكومة كي يتخلى الحرس الثوري عن بعض حصصه في شركات معينة لصالح الحكومة، وتحاول أن تضغط أكثر لتقليص نفوذ الميليشيات خاصة في القطاع المالي الذي يمثلهم فيه "أنصار بنك" على سبيل المثال.

ومن بين هؤلاء جنرال في الميليشيا الحرس الثوري، يعرف بأنه العقل الاقتصادي للتنظيم، اعتقل في وقت سابق من هذا العام وأطلق سراحه بكفالة على ذمة قضايا فساد.

كذلك ألقي القبض على عدد من أعضاء الميليشيا المسؤولين عن نشاطها الاقتصادي وعدد من رجال الأعمال في الأشهر الأخيرة.

وعثر في منزل أحد قادة الحرس الذين ألقي القبض عليهم على ملايين الدولارات نقدا وتمت مصادرتها.