لم تكتفِ أون سان سو تشي، زعيمة ميانمار، الحائزة جائزة نوبل بالصمت على مجازر المسلمين الروهينغا، بل إنها تُعرِّض حياة عمال الإغاثة التابعين للجهات الدولية للخطر أيضاً، ومع ذلك فما زال البعض لديهم أمل بها، منهم بعض زعماء المسلمين المضطهدين، بينما يتساءل آخرون: هل تملك زمام السلطة حقا؟.

حينما وردت الأنباء، في وقت مبكر من صباح 26 أغسطس/آب 2017، حول قيام مقاتلي جيش إنقاذ روهينغا أراكان بمهاجمة مواقع الشرطة شمالي ولاية راخين، وقتل 12 شخصاً، ما أدى إلى تدخل الجيش، سرعان ما انعقدت لجنة المعلومات الجديدة في ميانمار لاتخاذ التدابير اللازمة.

كان لدى ميانمار العديد من هذه اللجان على مدار تاريخها، حيث سعى الحكام المستبدون إلى نشر الحقائق حسبما يرونها، وبما يتناقض مع ما ينشره "أعداء الدولة" المزعومون، حسب وصف تقرير لصحيفة الغارديان البريطانية.

وقامت هذه اللجنة المدنية العسكرية المشتركة بالرد من خلال صفحتها الرسمية على موقع فيسبوك، باستعراض أحدث الأنباء حول "الإرهابيين البنغاليين المتطرفين"، بالإضافة إلى صور للجثامين والمعونات الغذائية التي يقدمها برنامج الأغذية العالمي كـ"دليل على تحريض عمال المساعدات الدوليين للمتمردين".

وذكرت هيئات المساعدات الإنسانية، أن التصريحات المنسوبة إلى أون سان سو تشي تُعرض حياة عمال المساعدات إلى الخطر. وبالفعل تم وقف المساعدات.

من جانبها، اعترضت بنغلاديش على استخدام كلمة "بنغالي"، بما يوحي بأن مسلمي الروهينغا مهاجرون غير شرعيين، قدموا من بنغلاديش، واستدعت سفير ميانمار في داكا، وفقاً لما أوردته مصادر بوزارة الخارجية. وتم إلغاء تلك الكلمة التي تصف المقاتلين بصفة رسمية.

واللافت أنه تم أيضاً إغفال عبارة "مستشار الدولة" -وهو اللقب الحكومي الرسمي لصاحبة جائزة نوبل- من صفحة فيسبوك.

وأثارت تلك الخطوة التساؤل عن أون سان سو تشي، بينما تزايدت مزاعم قيام الجيش بشن هجمات وحشية على جيش إنقاذ الروهينغا أراكان.


"عقلية الحصار"


وبعد عقود من المداهنة، تجد السجينة السياسية المعروفة بلقب السيدة نفسها في مواجهة موجة عالمية هائلة من الغضب. وأصبحت صورتها تنتشر على اللافتات مرة أخرى خلال الاحتجاجات القائمة في كل أنحاء العالم، إلا أن الهتافات في هذه المرة غاضبة. وجمعت محاولة لسحب جائزة نوبل للسلام منها، مئات الآلاف من التوقيعات.

وكان نحو 386 ألف شخص، قد طالبوا عبر عريضة إلكترونية على موقع "تشانج.أورج" لجنة جائزة نوبل بسحب جائزة نوبل للسلام من زعيمة ميانمار أونغ سان سوتشي، حسب موقع "يورو نيوز".

ولكن اللجنة النرويجية لجائزة نوبل أعلنت استحالة سحب جائزة نوبل للسلام من رئيسة حكومة ميانمار أونغ سان سوتشي، التي حصلت عليها في عام 1991.

وكان ذلك الغضب ناجماً عن الحملة العسكرية الوحشية التي تم شنها في البداية ضد مسلمي الروهينغا، والتي أدت إلى فرار نحو 300 ألف من مسلمي الروهينغا المضطهدين -وفق أحدث تقديرات الأمم المتحدة- من ولاية راخين التي في ميانمار إلى بنغلاديش على مدار الأسبوعين الماضيين.

وقالت الأمم المتحدة، يوم الإثنين 11 سبتمبر/أيلول 2017، إن معاملة ميانمار مع الروهينغا تصل إلى حد "التطهير العرقي"، حسبما نقلت عنها الغارديان.

ومع تزايد الأعداد وظهور الحملات التي يقودها الجيش بمظهر عمليات التطهير العرقي، تحركت مجموعة من الشخصيات الدولية، والحاصلون على جائزة نوبل، من أجل حثِّ أون سان سو تشي على إدانة تلك العمليات، دون جدوى.

وكتب ديزموند توتو، الناشط الحقوقي الجنوب إفريقي، والحائز جائزة نوبل للسلام قائلاً: "إذا كانت المكافأة السياسية لوصولك إلى أعلى المناصب في ميانمار هي ثمن الصمت، فإن الثمن باهظ للغاية بالتأكيد".


انحازوا لسجَّانيهم

ونقلت صحيفة الغارديان البريطانية عن دبلوماسيين ومحللين قولهم، إن مستشارة الدولة قد انحازت للجيش الذي اضطهدها وسجنها تحت الإقامة الجبرية على مدار نحو عقدين من الزمان، حتى صارت أشهر سجينة سياسية.

ويرى البعض أن تلك القضية أدت إلى توحيد البلاد بالكامل، بحيث لم يصبح لديها خيار سوى الموافقة.

ويعتقد آخرون أنها شخصية أخلاقية أصابها النظام السياسي الهش، الذي يمنح الجيش القوة الأكبر في البلاد، بالعجز.

ويعتبرها آخرون زعيماً عنيداً منعزلاً تماماً عن الحلفاء الغربيين، الذين أشادوا بها في الماضي، وتحولوا إلى انتقادها في الحاضر.

وذكر دبلوماسي، اشترط عدم ذكر اسمه: "الحكومة تواجه غضباً شديداً. إنها عقلية الحصار. وتشعر أون سان سو تشي أنها تواجه اعتداءً وتقوم بالدفاع عن بلادها".

ومع تصاعد حدة الأزمة، اتضح يوم الأربعاء، أن أون سان سو تشي لن تحضر اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة، المزمع انعقاده في وقت لاحق من هذا الشهر، وأنها سوف توفد نائب الرئيس بدلاً منها.

الحكم العسكري


أظهرت الأزمة في ميانمار مؤخراً عودة البلاد إلى الخضوع للحكم العسكري وتداول الأخبار الزائفة الصادرة عن وزارة الدفاع، التي سخرت من القنوات الإعلامية الغربية، مثل صوت أميركا وهيئة الإذاعة البريطانية، باعتبارها "مليئة بالأخطاء".

وكانت البيانات الصادرة عن الجيش والحكومة المدنية متطابقة إلى حد كبير.

وذكر دبلوماسي آخر: "بالنظر إلى عدم التوافق الكبير في الرأي بين الطرفين الرئيسيين (الجيش وحكومة داو سو) فمن المدهش للغاية أن نجد تطابقاً في الرسائل الصادرة عنهما حول ولاية راخين".

ولا يزال البعض يصرون على أن المقربين من أون سان سو تشي وبعضهم من جنرالات الجيش السابقين لا يمثلونها بصورة كلية.

وذكر بيندكت روجرز، رئيس فريق منظمة التضامن المسيحي العالمي في شرق آسيا والمتخصص في شؤون ميانمار: "لم يتضح إلى أي مدى يتحدثون معها ومع الحكومة، ويفرضون جدول أعمال الجيش عليها. وينبغي أن يتساءل المرء أيضاً عن حجم المعلومات المقدمة إليها، وكيف يتم إبلاغها بها، وحجم المعلومات المضللة التي يقدمها الجيش إليها".

وخلال محادثة هاتفية مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ألقت أون سان سو تشي اللوم على الإرهابيين في تقديم تلال من المعلومات المغلوطة.


هذا مصيرها إذا فاوضت الروهينغا

وهناك وجهة نظر ترى أن أون سان سو تشي لا تستطيع التحدث مع الروهينغا، حتى لو رغبت في ذلك، دون المخاطرة باستقلال البلاد.

وذكر شيام ساران، الرئيس السابق لمركز الشؤون الخارجية الهندي وسفير الهند في ميانمار خلال التسعينيات من القرن الماضي: "يتعين على أون سان سو تشي أن تتوخى الحذر تماماً، نظراً لسيطرة ونفوذ جيش ميانمار داخل نطاق الدولة".

والقضية واضحة للغاية داخل البلاد. فقد ذكر دبلوماسي آخر أن كراهية الروهينغا هي التي توحد صفوف الجميع في ميانمار "البوذيين المتطرفين وجموع الشعب والجيش، بل وحزب الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية نفسه"، حزب أون سان سو تشي.

وأعرب نيان وين، المتحدث باسم الحزب ومحامي أون سان سو تشي، عن آراء العديدين في ميانمار، حينما تحدث مع إذاعة آسيا الحرة: "أعتقد أن الجميع يعرفون البنغاليين. ولا يوجد أي ملامح متشابهة بيننا وبينهم في أي مكان داخل البلاد".

وحول هذا الأمر استطرد مع صحيفة الغارديان قائلاً: "إنهم ليسوا من مواطني ميانمار، بل هم أجانب".


"أفضل ما في البلاد"


يعتقد معظم الدبلوماسيين أن أون سان سو تشي أكثر تعاطفاً من أي من أعضاء حزبها. وقد أبدت للسفراء عزمها تسوية مشكلات ولاية راخين، واستخدمت من قبل كلمة الروهينغا، التي نادراً ما يستخدمها حالياً أي سياسي خلال حديثه.

وذكر كبير الدبلوماسيين الغربيين السابقين في ميانمار "الحق يقال، إنها أفضل من في ميانمار. نعم، ينبغي أن نُبجلها، ولكن علينا أن نتفهم التحديات التي تواجهها".

ومع ذلك، هناك شعور هائل بالانقسام بين أون سان سو تشي وحلفائها الغربيين السابقين حول هذه القضية.

وأشار كبير المبعوثين الغربيين السابقين في ميانمار إلى إن قرار مجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة في وقت سابق من هذا العام بشأن إرسال بعثة دولية لتقصي الحقائق إلى ميانمار، قد أدى إلى تدهور العلاقات، قائلاً "أعتقد أنها فقدت الثقة في قدرتنا على مساعدتها".

وذكر دبلوماسيون أن الاجتماع الذي انعقد، الأسبوع الماضي، بين سفراء الدول وحليفها المقرب كياو تين سو، والذي تم خلاله مناقشة المزاعم ضد عمال المساعدات وخطط استعادة توصيل المساعدات الإنسانية، كان يتسم بالتوتر الشديد.

وقال أحد الدبلوماسيين:"اعتقد أننا مختلفون في الرأي. ويتزايد الشعور لديهم بأننا أعداء".


موقف المسلمين

ويكمن الأمل في القادة الآسيويين، في التوصل إلى تسوية للأزمة المتصاعدة. فقد توجَّه وزير الخارجية الإندونيسي ريتنو مارسودا إلى ميانمار، الأسبوع الماضي، لحث السلطات على وقف العنف.

ويرى عشرات الآلاف من الروهينغا الذين يفترشون مخيمات اللاجئين في بنغلاديش أنهم يعتمدون على الأفعال لا الكلمات.

وذكر كياو وين، السياسي من الروهينغا "أون سان سو تشي شخصية محترمة. ولا نجرؤ على انتقادها أو القول إنها صائبة أو مخطئة. ولكننا نأمل فقط أن تقوم بخطوة طيبة في هذا الصدد".

 

هاف بوست عربي